جمع بين العبارتين، قال: وقول أكثر العلماء هو الأحسن: فإن الميت يعامل معاملة الحي، والحي يسلم عليه مستقبلا، فكذلك الميت، وهذا لا ينبغي أن يتردد فيه، انتهى.
وذكر المطري أن السلف كانوا إذا أرادوا السلام على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قبل إدخال الحجرات في المسجد وقفوا في الروضة مستقبلين السارية التي فيها الصندوق الخشب، أي لكونها في جهة الرأس الشريف، مستدبرين الروضة وأسطوان التوبة. وتقدم من رواية يحيى عن زين العابدين علي بن الحسين أنه كان يفعل نحو ذلك، وروى يحيى بسند جيد عن أبي علقمة الغروي الكبير قال: كان الناس قبل أن يدخل البيت في المسجد يقفون على باب البيت يسلمون.
قلت: وذلك لتعذر استقبال الوجه الشريف حينئذ، ولذا قال المطري: فلما أدخل بيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في المسجد وأدخلت حجرات أزواجه رضوان الله عليهن وقف الناس مما يلي وجه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، واستدبروا القبلة للسلام عليه، فاستدبار القبلة في الحالة مستحب كما في خطبة الجمعة والعيدين وسائر الخطب المشروعة كما قاله ابن عساكر في التحفة.
وروى ابن زبالة عن سلمة بن وردان قال: رأيت أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما إذا سلم على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يأتي فيقوم أمامه. وفي كلام أصحابنا أن الزائر يستقبل الوجه الشريف في السلام والدعاء والتوسل، ثم يقف بعد ذلك مستقبل القبلة والقبر عن يسار والمنبر عن يمينه فيدعو أيضا كما سنشير إليه.
[خاتمة: في نبذ مما وقع لمن استغاث بالنبي ص أو طلب منه شيئا عند قبره،]
فأعطى مطلوبه ونال مرغوبه، مما ذكره الإمام محمد بن موسى بن النعمان في كتابة «مصباح الظلام، في المستغيثين بخير الأنام» .
فمن ذلك ما قال: اتفق الجماعة من علماء سلف هذه الأمة من أئمة المحدّثين والصوفية والعلماء بالله المحققين، قال محمد بن المنكدر: أودع رجل أبى ثمانين دينارا وخرج للجهاد، وقال لأبي: إن احتجت أنفقها إلى أن أعود، وأصاب الناس جهد من الغلاء، فأنفق أبي الدنانير، فقدم الرجل وطلب ماله، فقال له أبي: عد إليّ غدا، وبات في المسجد يلوذ بقبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مرة وبمنبره مرة، حتى كاد أن يصبح، يستغيث بقبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فبينما هو كذلك وإذا بشخص في الظلام يقول: دونكها يا أبا محمد، فمد أبي يده فإذا هو بصرّة فيها ثمانون دينارا، فلما أصبح جاء الرجل فدفعها إليه.