يحاذيه أيضا، وسيأتي أن هذا الباب كان بعد باب النساء مقابلا لرباط النساء المعروف اليوم برباط السبيل، وهو بعيد من وجوه:
أحدها: ما تقدم في أسطوان التهجد من أنه كان خلف بيت فاطمة.
الثاني: أنهم متفقون على أن باب جبريل المقابل لدار عثمان كان موجودا في زمنه صلّى الله عليه وسلّم، فكيف يصح كون دار علي في ذلك الموضع.
الثالث: أن عمر بن الخطاب أول من زاد في المسجد وأحدث باب النساء، وهو فيما بين باب جبريل والباب الذي ذكره ابن شبة، وبيت فاطمة إنما أدخله في المسجد الوليد، وسنذكر ما اتفق عند إدخاله في زيادة الوليد.
وقد يقال: إن الشارع كان بين المسجد النبوي وبين بيت فاطمة من جهة مؤخره، فيتأتى مع ذلك اتخاذ عمر لباب النساء من غير تعرض لبيت فاطمة، وكذا يقال في باب جبريل: إنه كان في محاذاة موضعه اليوم، لكن كان الشارع بينه وبين بيت فاطمة من تلك الجهة. ويؤيد ذلك أنهم لما حفروا للدعامة الغربية التي إليها باب الحجرة الشامي عند بناء القبة والعقود التي حولها بالحجرة الشريفة بعد الحريق الذي أدركناه وجدوا في محاذاة باب جبريل أمام باب الحجرة المذكور درجا تحت الأرض آخذة لجهة الشام، وقد سبق في حدود المسجد النبوي ما يقتضي أن جداره في المشرق كان هناك، فترجح عندي أن تلك الدرج كانت لباب جبريل عليه السلام، وأنه كان هناك قبل تحويله، والله أعلم.
الفصل الحادي عشر في الأمر بسدّ الأبواب الشارعة في المسجد الشريف
وبيان ما استثنى من ذلك.
قال البخاري: باب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر، قاله ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقد وصله البخاري في الصلاة بلفظ سدوا عني كل خوخة، فكأنه ذكره هنا بالمعنى، ثم أسند البخاري في الباب حديث أبي سعيد الخدري قال: خطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الناس وقال: إن الله خيّر عبدا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله، قال: فبكى أبو بكر، فتعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن عبد خيّر، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو المخير، وكان أبو بكر أعلمنا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: إن أمنّ الناس علي في صحبته وما له أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر.