الإنسان من ذلك المجرى وكان في أعلاه وجد كهفا آخر، لكنه صغير جدّا، والأول أقرب إلى كونه المراد، ولعل ذلك النقر هو المراد فيما يتعلق بالعيينة، وإذا حصل المطر بسلع سالت تلك السائلة، ويبقى هناك مواضع يتحصل فيها الماء ثم يجري منها؛ فينبغي التبرك بها، والله أعلم.
[مسجد القبلتين]
ومنها: مسجد القبلتين، قال رزين: وهو مسجد بني حرام بالقاع، وتبعه ابن النجار فمن بعده، وزاد المطري وتبعه من بعده أنه الذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم النخامة في قبلته فحكّها بعرجون كان في يده، ثم دعا بخلوق فجعله على راس العرجون ثم جعله في موضع النخامة، فكان أوّل مسجد خلّق، وهذا كله مردود؛ لأن ابن زبالة قال كما قدمناه في المنازل: إن بني سواد بن غنم بن كعب نزلوا عند مسجد القبلتين، ولهم مسجد القبلتين ونزل بنو عبي بن عدي بن غنم بن كعب عند مسجد الخربة، ونزل بنو حرام بن كعب بن غنم بن كعب عند مسجد بني حرام الصغير الذي بالقاع، وابتنوا أطمأ يقال له جاعص كان في السهل بين الأرض التي كانت لجابر بن عتيك وبين العين التي عملها معاوية بن أبي سفيان، وحينئذ فلا يصح كون مسجد بني حرام الصغير هو مسجد القبلتين. وكان هؤلاء الجماعة فهموا من وصف مسجدهم هذا بالصغير أن مسجدهم الكبير هو مسجد القبلتين، وليس كذلك؛ لما قدمناه من أن مسجدهم الكبير نقل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلّ فيه، وأنه الذي بشعب سلع، وأيضا فقد صرح ابن زبالة بأن مسجد القبلتين لبني سواد، وأيضا فاسم القاع إنما يناسب ما قدمناه في بيان منازل بني حرام في غربي مساجد الفتح، فمسجد بني حرام هذا من المساجد التي لا تعلم اليوم عينها، ولكن تعلم جهتها. ومما يوضح المغايرة بين مسجد بني حرام وبين مسجد القبلتين، ويصرح بخطأ ما ذهب إليه من جعلهما متحدين أن ابن شبة روى عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى في مسجد الخربة، وفي مسجد القبلتين، وفي مسجد بني حرام الذي بالقاع. ورواه أيضا ابن زبالة عن جابر بلفظ «صلّى في مسجد القبلتين وفي مسجد بني حرام بالقاع» ولم يذكر مسجد الخربة؛ فاتّضح بذلك ما قلناه، وتعين اجتناب ما عداه، وما ذكره المطري من كون مسجد القبلتين أول مسجد خلّق أخذه من ورود ذلك في مسجد بني حرام لظنه اتحادهما؛ فاجتنبه.
وقال ابن زبالة: وحدثني موسى بن إبراهيم عن غير واحد من مشيخة بني سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «صلّى في مسجد القبلتين» وقد قدمناه في الفصل الثالث من الباب الرابع الاختلاف في تعيين المسجد الذي وقع فيه تحويل القبلة وسنته والصلاة التي وقع ذلك فيها، وفي بعض تلك الروايات أن ذلك كان بمسجد القبلتين، وأن الواقديّ قال: إن ذلك هو الثابت عنده.