للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبيد الله فنهض به حتى استوى عليها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أوجب طلحة» «١» وصلى النبي صلّى الله عليه وسلّم يومئذ الظهر قاعدا من الجراح التي أصابته، وصلّى المسلمون خلفه قعودا.

وفي الصحيح من حديث البراء أن أبا سفيان- حين أراد الانصراف- قال: «لنا العزى ولا عزى لكم» فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: أجيبوه، قالوا: ما نقول؟ قال: «قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم» .

وفيه أيضا أن أبا سفيان أشرف يوم أحد فقال: أفي القوم محمد؟ فقال: لا تجيبوه، فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ قال: لا تجيبوه، قال: أفي القوم ابن الخطاب؟ فلما لم يجبه أحد قال: إن هؤلاء قتلوا، ولو كانوا أحياء لأجابوا، فلم يملك عمر نفسه فقال:

كذبت يا عدو الله، قد أبقى الله لك ما يخزيك.

قال ابن إسحاق: فلما أجاب عمر أبا سفيان قال له: هلم إلي يا عمر، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعمر: ائته فانظر ما شأنه، فجاء، فقال له أبو سفيان: أنشدك بالله يا عمر أقتلنا محمدا، فقال عمر: اللهم لا، وإنه ليسمع كلامك الآن، قال: أنت أصدق عندي من ابن قميئة وأبر، ثم نادى أبو سفيان: إنه قد كان في قتلاكم مثل، والله ما رضيت وما سخطت، وما أمرت وما نهيت، ولما انصرف أبو سفيان ومن معه نادى: إن موعدكم بدر العام القابل، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لرجل من أصحابه: «قل: نعم، هو بيننا وبينكم موعد» ثم بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علي بن أبي طالب فقال: اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون وماذا يريدون، فإن كانوا قد جنبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة، وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فهم يريدون المدينة، والذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها ثم لأناجزنهم، فخرج علي فرآهم قد جنبوا الخيل وامتطوا الإبل ووجهوا إلى مكة، وفزع الناس لقتلاهم، وانتشروا يبتغونهم، وسيأتي خبرهم وتعيينهم إن شاء الله تعالى في الفصل السادس من الباب الخامس، وبكى المسلمون يومئذ على قتلاهم، فسر المنافقون، وظهر غش اليهود، وفارت المدينة بالنفاق.

[الحكم التي في قصة أحد]

قال العلماء: وكان في قصة أحد من الحكم والفوائد أشياء عظيمة.

منها: تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية، وشؤم ارتكاب النهي؛ لما وقع من الرماة.

ومنها: أن عادة الرسل أن تبتلى وتكون لها العاقبة.


(١) أوجب: استحق الجنة الثواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>