ما ترى، فإن كان فيك خير فامتنع فهذا السيف معك، فلما نام أخذوا السيف وقرنوا كلبا ميتا بالصنم بحبل ثم ألقوه في بئر من آبار بني سلمة فيها عذر، فلم يجده عمرو في مكانه، فخرج حتى وجده كذلك، فلما أبصر ما به وكلمه من أسلم من قومه فأسلم وحسن إسلامه، وقال في ذلك:
والله لو كنت إلاها لم تكن ... أنت وكلب وسط بئر في قرن
أفّ لملقاك إلاها مستدن ... الآن فتّشناك عن سوء الغبن
الحمد لله العلي ذي المنن ... الواهب الرزاق ديّان الدين
هو الذي أنقذني من قبل أن ... أكون في ظلمة قبر مرتهن
الفصل التاسع في هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم إليها
رؤيا النبي صلّى الله عليه وسلّم دار هجرته
روينا في الصحيحين حديث «رأيت أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي إلى اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة يثرب» ووقع للبيهقي من حديث صهيب «أريت دار هجرتكم سبخة بين ظهراني حرّتين، فإما أن يكون هجر أو يثرب» ولم يذكر اليمامة، وللترمذي من حديث جرير «أوحى إلي: أي هؤلاء الثلاثة نزلت فهي دار هجرتك، المدينة أو البحرين أو قنسرين» واستغربه، وفيه نظر؛ لمخالفته لما في الصحيح من ذكر اليمامة، وأما هجر فيصح التعبير بها عنها لكونها من بلاد البحرين، وأما قنسرين فهي من أرض الشام، ويحتمل أن يكون أري ما في الصحيح وأوحى إليه بالتخيير قبل أو بعد، فاختار المدينة.
وقال ابن التين: أري النبي صلّى الله عليه وسلّم أولا دار هجرته بصفة تجمع المدينة وغيرها، ثم أري الصفة المختصة بالمدينة فتعينت.
إذن النبي صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه في الهجرة
ثم أذن النبي صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه في الهجرة إلى المدينة، وأقام بمكة ينتظر أن يؤذن له في الخروج، فتوجه بين العقبتين جماعة منهم ابن أم مكتوم، ويقال: إن أول من هاجر إلى المدينة أبو سلمة عبد الأسد المخزومي زوج أم سلمة، وذلك أنه أوذي لما رجع من الحبشة، فعزم على الرجوع إليهما، ثم بلغة قصة الاثني عشر من الأنصار فتوجه إلى المدينة، فقدمها بكرة، وقدم بعده عامر بن ربيعة عشية، ثم توجه مصعب بن عمير ليفقه من أسلم من الأنصار كما تقدم، ثم توالى خروجهم بعد العقبة الأخيرة، فخرجوا أرسالا: