وقال ابن زبالة: حدثني غير واحد من أهل العلم منهم الزبير بن حبيب أن الأسطوان التي تدعى أسطوان عائشة هي الثالثة من المنبر، والثالثة من القبر، والثالثة من القبلة، والثالثة من الرحبة، أي قبل زيادة الرواقين الآتي ذكرهما المتوسطة للروضة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم صلى إليها بضع عشرة المكتوبة ثم تقدم إلى مصلاه الذي وجاه المحراب في الصف الأوسط، أي الرواق الأوسط، وأن أبا بكر وعمر والزبير بن العوام وعامر بن عبد الله كانوا يصلون إليها، وأن المهاجرين من قريش كانوا يجتمعون عندها، وكان يقال لذلك المجلس مجلس المهاجرين، انتهى.
وقد ذكر ابن النجار هذه الرواية عن الزبير بن حبيب، وزاد: وقالت عائشة فيها: لو عرفها الناس لاضطربوا على الصلاة عندها بالسهمان، فسألوها عنها فأبت أن تسميها، فأصغى إليها ابن الزبير فسارّته بشيء، ثم قام فصلى إلى التي يقال لها أسطوان عائشة، قال:
فظن من معه أن عائشة أخبرته أنها تلك الأسطوانة، فسميت أسطوان عائشة، قال: وأخبرني بعض أصحابنا عن زيد بن أسلم قال: رأيت عند تلك الأسطوانة موضع جبهة النبي صلّى الله عليه وسلّم، ثم رأيت دونه موضع جبهة أبي بكر، ثم رأيت دون موضع جبهة أبي بكر موضع جبهة عمر، ويقال: الدعاء عندها مستجاب، هذا لفظ رواية ابن النجار عقب ما قدمناه من رواية ابن زبالة. وزاد فيما ذكره ابن زبالة عقب قوله:«إن النبي صلّى الله عليه وسلّم صلّى إليها المكتوبة بضع عشرة، ثم تقدم إلى مصلاه اليوم» ما لفظه: وكان يجعلها خلف ظهره، قلت: ولم أره في كلام غيره، والظاهر أن مراده أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يستند إليها إذا جلس هناك، لا أنه يجعلها خلف ظهره إذا صلى؛ لما ذكره عن زيد بن أسلم من أنه رأى موضع جبهة النبي صلّى الله عليه وسلّم عندها، ووصف هذه الأسطوانة بالمخلقة يؤخذ مما تقدم عن ابن زبالة من قول أبي هريرة «وكان مصلاه صلّى الله عليه وسلّم الذي يصلي فيه بالناس إلى الشام من مسجده أن تضع موضع الأسطوان المخلقة خلف ظهرك ثم تمشي إلى الشام» إلى آخر ما تقدم قلت: وهذه الأسطوان بصف الأساطين التي خلف الإمام الواقف بالمصلى الشريف، وهي الثالثة من القبلة وكانت الثالثة أيضا من رحبة المسجد كما تقدم، وذلك قبل أن يزاد في مسقف مقدم المسجد الرواقان الآتي بيانهما في رحبته، وبهما صارت خامسة من الرحبة.
[أسطوان التوبة]
ومنها أسطوان التوبة، وتعرف بأسطوان أبي لبابة بن عبد المنذر أخي بني عمرو بن عوف الأوسي أحد النقباء، واسمه رفاعة، وقيل غير ذلك، سميت به لأنه ارتبط إليها حتى أنزل الله توبته كما قدمناه في غزوة بني قريظة.
وقال الأقشهري: اختلف أهل السير والتفسير في ذنب أبي لبابة، فقال قوم: كان من