وأما المسجد الآخر- وهو الذي في قبلتهما، المنسوب لأمير المؤمنين عليّ- فتهدّم بناؤه، فجدّده الأمير زين الدين ضغيم بن حشرم المنصوري أمير المدينة الشريفة في سنة ست وسبعين وثمانمائة، وكان سقفه عقدا، وفيه مسن عليه اسم ابن أبي الهيجاء كالمسجدين الآخرين، فجعل سقفه خشبا على أسطوان واحد، وسقف كل من مسجد الفتح والذي في قبلته رواق واحد مقبوّ قبوا محكما، وفي كل منهما ثلاث قناطر آخذة من المشرق إلى المغرب، والظاهر أن الرحبة التي خف الرواق المذكور لم تغير عن حالها القديم. وذرع المسجد الأعلى من القبلة إلى الشام عشرون ذراعا ينقص يسيرا، ومن المشرق إلى المغرب مما يلي القبلة سبعة عشر ذراعا. وذرع المسجد الأسفل المنسوب لسلمان رضي الله تعالى عنه من القبلة إلى الشام أربعة عشر ذراعا شافة، ومن المشرق إلى المغرب مما يلي القبلة سبعة عشر ذراعا. وذرع المسجد الذي يليه- وهو المنسوب لعلي رضي الله عنه- من القبلة إلى الشام ثلاثة عشر ذراعا شافة، ومن المشرق إلى المغرب مما يلي القبلة ستة عشر ذراعا شافة.
[مسجد بني حرام الكبير]
وينبغي لقاصد مساجد الفتح أن يزور مسجد بني حرام الكبير، وهو غير مسجدهم الصغير الآتي ذكره، وهذا المسجد هو الذي اتخذوه لشعبهم من سلع لما تحوّلوا إليه على ما قدمناه في ذكر المنازل؛ لما فيه مما يقتضي أنهم تخلوا إليه بإذن النبي صلى الله عليه وسلم لهم.
وقد روى رزين عن يحيى بن قتادة بن أبي قتادة عن مشيخة من قومه أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان يأتي دور الأنصار فيصلي في مساجدهم» .
وقدمنا هناك أيضا أن عمر بن عبد العزيز زاد فيه على بناء أهله له مدماكين من أعلاه، وطابق سقفه، وكان أولا بخشب وجريد، وجعل فيه زيت مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهذا يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى فيه، لكن تقدم أيضا ما يقتضي أن بنى حرام إنما انتقلوا للشعب المذكور في زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه.
وروى ابن شبة في ذكر المساجد التي يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى فيها، ويقال إنه لم يصل فيها، عن حرام بن عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلّ في مسجد بني حرام الأكبر، ثم روى ما قدمناه من الاختلاف في وقت تحوّلهم إلى ذلك المحل.
فيتلخص من ذلك أنه مما اختلف في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فيه، ولذلك لم يفرده بالذكر، وقد ظهر لي محله في قرية بني حرام بشعبهم غربي جبل سلع على يمين السالك إلى مساجد الفتح من الطريق القبلية، وعلى يسار السالك إلى المدينة من مساجد الفتح، فإذا جاوزت البطن الذي فيه مساجد الفتح وأنت قاصد المدينة يلقاك بعد ذلك بطن متسع من سلع فيه آثار قرية هي قرية بني حرام، وذلك شعبهم، وقد انهدم المسجد بأجمعه، وبقي أساسه وآثار