وتحويل الوباء من أعظم المعجزات؛ إذ لا يقدر عليه جميع الأطباء، وفي البخاري حديث «رأيت امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت من المدينة حتى نزلت مهيعة، فتأولتها أن وباء المدينة نقل إلى مهيعة» وفي الأوسط للطبراني نحوه، وفي كتاب ابن زبالة «أصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما، فجاءه إنسان كأنه قدم من ناحية طريق مكة، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: هل لقيت أحدا؟ قال: لا، إلا امرأة سوداء عريانة ثائرة الشعر، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: تلك الحمى، ولن تعود بعد اليوم أبدا» وفيه أيضا حديث: «اللهم حبّب إلينا المدينة، وانقل وباءها إلى مهيعة، وما بقي منه فاجعله تحت ذنب مشعط» وحديث: «إن كان الوباء في شيء من المدينة فهو في ظل مشعط» . قال المجد: هو جبل أو موضع بالمدينة. قلت:
سيأتي عن ابن زبالة في المنازل أن بني حديلة ابتنوا أطمين أحدهما يقال له «مشعط» كان موضعه في غربي مسجد بني حديلة، وفي موضعه بيت يقال له بيت أتى نبيه، ثم أورد عقبه الحديث المذكور، فأفاد أنه هو المراد، وفيه أيضا حديث:«أصح المدينة من الحمى ما بين حرّة بني قريظة والعريض» وهو يؤذن ببقاء شيء من الحمى بالمدينة، وأن الذي نقل عنها أصلا ورأسا سلطانها وشدتها ووباؤها وكثرتها بحيث لا يعد ما بقي بالنسبة إليه شيئا، ويحتمل أنها رفعت أولا بالكلية، ثم أعيدت خفيفة لئلا يفوت ثوابها كما أشار إليه الحافظ بن حجر، ويدل له ما روى أحمد برجال الصحيح وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه عن جابر: استأذنت الحمى على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: من هذه؟ فقالت: أم ملدم، فأمر بها إلى أهل قباء، فلقوا ما لا يعلمه إلا الله تعالى، فأتوه فشكوا ذلك إليه، فقال: ما شئتم، إن شئتم دعوت الله ليكشفها عنكم، وإن شئتم تكون لكم طهورا، قالوا:
أو تفعل؟ قال: نعم، قالوا: فدعها» ورواه الطبراني بنحوه، وقال فيه:«إن شئتم تركتموها وأسقطت بقية ذنوبكم، قالوا: فدعها يا رسول الله» وروى أحمد ورجاله ثقات حديث:
أتاني جبريل بالحمى والطاعون فأمسكت الحمى بالمدينة، وأرسلت الطاعون بالشام، فالطاعون شهادة لأمتي ورحمة لهم ورجز على الكفار» والأقرب أن هذا كان في آخر الأمر بعد نقل الحمى بالكلية، لكن قال الحافظ ابن حجر: لما دخل صلّى الله عليه وسلّم المدينة كان في قلة من أصحابه، فاختار الحمى لقلة الموت بها على الطاعون لما فيها من الأجر الجزيل، وقضيتها إضعاف الأجساد، فلما أمر بالجهاد دعا بنقل الحمى إلى الجحفة، ثم كانوا من حينئذ من فاتته الشهادة بالطاعون ربما حصلت له بالقتل في سبيل الله، ومن فاته ذلك حصلت له