المساجد، وقد رأيت في بعض النسخ نسبة ذلك للذهبي في تاريخ الإسلام، وأسقط العزو في نسخة أخرى، فليراجع ذلك من تاريخ الإسلام، فإن لم يكن فيه هذه الزيادة فالذي يظهر لي أن بعض المتعصبين ألحق هذه الأشياء في الروايات المتقدمة ليتم بها الاستدلال، فإن المسألة وقع فيها تعصبات، وكأن الجمال الكازروني إنما أراد إفادة أصل وضع القناديل، وذكر ما يشعر بهذا الأمر، فلما رأى ذلك المتعصب أن الاستدلال لا يتم إلا بذلك ألحقه، ولم يشعر أنه لو كان ذلك موجودا لم يكن فيه حجة لعدم اتصال السند الصحيح في ذلك.
ومن تأمل سيرة النبي صلّى الله عليه وسلّم وأحواله لم يخف عليه أن كل ذلك لم يكن يعجبه في حياته، هذا الذي أعتقده، والله أعلم.
[الفصل السادس والعشرون في الحريق الأول القديم المستولي على تلك الزخارف المحدثة بالحجرة الشريفة والمسجد وسقفهما، وما أعيد من ذلك، وما تجدد من توسعة المسقف القبلي بزيادة الرواقين فيه، وغير ذلك]
[سبب الحريق وتاريخه]
قال المؤرخون: احترق المسجد النبوي ليلة الجمعة أول شهر رمضان من سنة أربع وخمسين وستمائة في أول الليل، ونقل أبو شامة أن ابتداء حرقه كان من زاويته الغربية من الشمال، وسبب ذلك- كما ذكره أكثرهم- أن أبا بكر بن أوحد الفراش أحد القوّام بالمسجد الشريف دخل إلى حاصل المسجد هناك ومعه نار، فغافل عنها إلى أن علقت في بعض الآلات التي كانت في الحاصل، وأعجزه طفيها، ثم احترق الفراش المذكور والحاصل وجميع ما فيه.
وقد صنف القطب القسطلاني في ذلك وفي النار المتقدم ذكرها في الفصل الثالث من الباب الثاني وهي نار الحجاز التي ظهرت بالمدينة الشريفة في ذلك العام كتابا سماه «عروة التوثيق، في النار والحريق» ذكر فيه بدائع من حكم الله تعالى في حدوث ذلك، وقد كان القطب بمكة حين وقع ذلك، وقد نبه فيه على ما يوافق ما قدمناه عن المؤرخين.
فقال: كتب إلى الصادق في الخبر، وشافهني من شاهد الأثر، أن السبب في حريق المسجد الشريف دخول أحد قومة المسجد في المخزن الذي في الجانب الغربي من آخر باب المسجد لاستخراج قناديل لمنائر المسجد، فاستخرج منها ما احتاج إليه، ثم ترك الضوء الذي كان في يده على قفص من أقفاص القناديل وفيه مشاق، فاشتعل فيه، وبادر لأن يطفأه فغلبه وعلق بحصر وبسط وأقفاص وقصب كان في المخزن، ثم تزايد الالتهاب وتضاعف إلى أن علا إلى سقف المسجد، انتهى.