للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الولاة يولون عليه واليا منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يستعمله والي المدينة، حتى كان داود بن عيسى فنزله سنة ثمان وتسعين ومائة، وإنما تركه داود لأن الناس جلوا عنه للخوف ذلك الزمان، فلم يبق فيه أحد يستعمله عليه، قال الزبير: وربما كتب إلى عبد الله بن القاسم وهو في ماله بنعف النقيع يقول لي: إن ناسا عندنا بالنقيع قد عاثوا في حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلم الأمير يكتب في التشديد فيه.

وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم «صلّى في موضع مسجده على موضع مقمل ثم بعده إلى ما بينه وبين يلبن من قاع النقيع» .

وقال: فحمى لأفراس تغدو وتروح في سبيل الله، ومد رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، وقارب بينهما، ولم يضمهما، وحماه، واستعمل عليه جد أبي الحليس، فقال: يا رسول الله، أولادي النساء، وليس معي غناء، قال: فقم بهن معك فاردد ما جاء من الحرة في الحرة، واردد ما جاء من الصحرة في الصحرة، قال يعقوب المزني: ثم تزايد الناس بعد في الحمى، فحموا ما بين تراجم إلى يلبن، واتخذوا المرابد يحبسون فيها ما رعى الحمى من الإبل، حتى رأيت بعضها يأكل دبر بعض، قال الزبير: وقال لي: لقد رأيت لأبيك أكثر من ثلاثة آلاف شاة بالنقيع، وهو إذ ذاك أمير المدينة، ما يرعى رعاؤه منها شيئا في الحمى، حتى يكتمل العشب ويبلغ نهايته، فيرسل عامل الحمى صائحا يصيح في الناس يؤذنهم باليوم الذي يأذن لهم يرعون الحمى، فيسرع فيه رعاء أبيك والناس يدأ واحدة كفرسي رهان.

[حكم الحمى]

قلت: مقتضاه جواز رعي الحمى للناس إذا استووا فيه، وهو مخالف لمذهبنا؛ إذ لا يدخله سوى العاجز عن النّجعة من الناس.

قال الشافعي: قوله صلى الله عليه وسلم: «لا حمى إلا لله ورسوله» يحتمل معنيين:

أحدهما: ليس لأحد أن يحمى للمسلمين غير ما حمى صلى الله عليه وسلم؛ فلا يكون لوال أن يحمى.

والثاني: أنه لا يحمى إلا على مثل ما حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم فللخليفة أن يحمى على مثل ما حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والثاني هو أظهر القولين، وهو قول الأزهري، وقال: يعني للخيل التي تركب في سبيل الله، وقيل: معناه ليس لأحد أن يحمى لنفسه إلا النبي صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك من خصائصه، وإن لم يقع منه، ولو وقع لكان من مصالح المسلمين؛ لأن مصلحته مصلحتهم.

وقال في الأم: كان الرجل العزيز من العرب إذا استنجع بلدا مخصبا أوفى بكلب على جبل إن كان أو نشز إن لم يكن جبل، ثم استعواه ووقف له من يسمع منتهى صوته، فحيث بلغ صوته حماه من كل ناحية، ويرعى من العامة فيما سواه، ويمنع هذا من غيره لضعفي

<<  <  ج: ص:  >  >>