نقل رزين عن الشرقي أن الأوس والخزرج لبثوا بالمدينة ما شاء الله وكلمتهم واحدة، ثم وقعت بين الأوس والخزرج حروب كثيرة حتى لم يسمع قط في قوم أكثر منها ولا أطول.
[الحروب قبل بعاث]
أولها: حرب سمير، وسببه رجل من بني ثعلبة كان حليفا لمالك بن العجلان، قتله رجل من الأوس يقال له سمير بالمهملة مصغرا. ثم حرب كعب بن عمرو، ثم يوم السرارة، وهو موضع بين بني بياضة والحماضة، ثم يوم الديك، وهو موضع أيضا، ثم حرب بعاث، وهو كان آخرها، قتل فيه سراة الأوس والخزرج ورؤسائهم.
قلت: في كلام بعضهم أنه كان بين الأوس والخزرج وقائع من أشهرها يوم السرارة، ويوم فارع، ويوم الفجار الأول والثاني، وحرب حضير بن الأسلت، وحرب حاطب بن قيس، إلى أن كان آخر ذلك يوم بعاث، فقول الخطابي «يوم بعاث يوم مشهور كانت فيه مقتلة عظيمة للأوس على الخزرج، وبقيت الحرب قائمة مائة وعشرين سنة إلى الإسلام على ما ذكره ابن إسحاق وغيره» مؤول بأن حروب الأوس والخزرج كلها قبل بعاث وبعده مكثت هذه المدة، وإلا فهو مردود، وسيأتي تعيين تاريخ يوم بعاث.
[سبب حرب بعاث]
وكان سببه أن الحروب المتقدمة كلها كان الظفر في أكثرها للخزرج على الأوس، حتى ذهبت الأوس لتحالف قريظة، فأرسلت إليهم الخزرج: لئن فعلتم فأذنوا بحرب، فتفرقوا وأرسلوا إلى الخزرج: إنا لا نحالفهم، ولا ندخل بينكم، فقالت الخزرج لليهود: فأعطونا رهائن، وإلا فلا نأمنكم، فاعطوهم أربعين غلاما من بينهم، ففرقهم الخزرج في دورهم، فلما أيست الأوس من نصرة اليهود حالفت بطونا من الخزرج منهم بنو عمرو بن عوف، وقال سائرهم: والله لا نصالح حتى ندرك ثأرنا، فتقاتلوا، وكثر القتل في الأوس لما خذلهم قومهم، وخرج سعد بن معاذ الأشهلي، فأجاره عمرو بن الجموح الحرامي، فلما رأت الأوس أن أمرهم إلى قل عزموا على أن يكونوا حلفا للخزرج في المدينة، ثم اشتوروا في أن يحالفوا قريشا، فأظهروا أنهم يريدون العمرة، وكان بينهم أن من أراد حجا أو عمرة لم يعرض له، فأجار أموالهم بعدهم البراء بن معرور، فأتوا مكة فحالفوا قريشا، ثم جاء أبو جهل- وكان غائبا- فنقض حلف قريش بحيلة احتالها.