قلت: روى ابن شبة عن أفلح بن سعيد ما يخالفه في نسبة ذلك لأبي جهل مع بيان الحيلة، فقال: خرجت الأوس جالية من الخزرج حتى نزلت على قريش بمكة فحالفتها، فلما حالفتهم قال الوليد بن المغيرة: والله ما نزل قوم قط على قوم إلا أخذوا شرفهم وورثوا ديارهم، فاقطعوا حلف الأوس، فقالوا: بأي شيء؟ قال: إن في القوم حمية، قولوا لهم: إنا نسينا شيئا لم نذكره لكم، إنا قوم إذا كان النساء بالبيت فرأى الرجل امرأة تعجبه قتلها ولمسها بيده، فلما قالوا ذلك للأوس نفرت وقالوا: اقطعوا الحلف بيننا وبينكم، فقطعوه، انتهى.
فلما لم يتم لهم الحلف ذهبت النبيت إلى خيبر- قلت: أراد بالنبيت بعضهم، وهم بنو حارثة؛ لما قدمناه من أن النبيت يطلق عليهم وعلى بني عبد الأشهل وبني ظفر وبني زعورا، والذي انتقل من هؤلاء إلى خيبر هم بنو حارثة فقط كما سبق، إلا أن يريد غيره- فأقاموا بها سنة، وماتت منهم عجوز فقالوا «أهون حادث موت عجوز في سنة» فذهب مثلا، فلما رأت الخزرج أن قد ظفرت بالأوس افتخروا عليهم في أشعارهم، وقال عمرو بن النعمان البياضي: يا قوم إن بياضة بن عمرو أنزلكم منزل سوء، والله لا يمس رأسي غسلا حتى أنزلكم منازل بني قريظة والنضير وأقتل رهنهم، وكان لهم غزار المياه وكرام النخل، وقال رجل منهم أيضا شعرا يتغنى به يذكر جلاء النبيت إلى خيبر وأخذهم الرهن من اليهود:
هلمّ إلى الأحلاف إذ رقّ عظمهم ... وإذ أصلحوا ما لا لجذمان ضائعا
إذا ما امرؤ منهم أساء عمارة ... بعثنا عليهم من بني العير جادعا
فأما الصّريح منهم فتحمّلوا ... وأما اليهود فاتخذنا بضائعا
فبلغ قولهم قريظة والنضير وهم المعينون بالصريح لأنهم من بني الكاهن بن هارون، وبلغ ذلك أيضا من كان في المدينة من الأوس، فمشوا إلى كعب بن أسد القرظي، فدعوه إلى المحالفة على الخزرج، ففعل، ثم تحالفوا مع قريظة والنضير، ثم أرسلوا بذلك إلى النبيت فقدموا فأخذت الخزرج في قتل الرهن، فقال لهم كعب بن أسد القرظي: إنما هي ليلة ثم تسعة أشهر وقد جاء الخلف، وأرسلوا إلى الأوس وقالوا لههم: انهضوا إلينا، فنأتيهم بأجمعنا، فجاءت الخزرج إلى عبد الله بن أبي فقالوا: مالك لا تقتل الرهن؟ فقال:
لا أغدرهم أبدا، وأنتم البغاة، وقد بلغني أن الأوس تقول: منعونا الحياة فيمنعونا الموت، ووالله ما يموتون أو تهلكون عامتكم، فقال له عمرو بن النعمان: انتفخ والله سحرك، فقال: إني لا أحضركم، ولكأني أنظر إليك قتيلا يحملك أربعة في كساء.