للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاجتمع الخزرج ورأسوا عليهم عمرو بن النعمان قلت: الذي ذكره ابن حزم أن رئيس الخزرج يومئذ هو والد النعمان، وهو رحيلة بن ثعلبة البياضي، والله أعلم. فاقتتلوا في بعاث، وهو موضع عند أعلى قوري، وكانت الدّبرة على الخزرج، وقتل عمرو بن النعمان، وجيء به تحمله أربعة كما قال له ابن أبي، وحلفت اليهود لتهدمن حصن عبد الله بن أبي، وكان أبو عمرو الراهب مع الأوس، وكانت تحته جميلة بنت أبي، وهي أم حنظلة الغسيل، فلما أحاطوا بالحصن قال لهم عبد الله: أما أنا فلم أحضر معهم، وهؤلاء أولادكم الذين عندي فإنني لم أقتل منهم أحدا، ونهبت الخزرج فعصوني، وكان جل من عنده من الرهن من أولاد بني النضير، ففرحوا حين سمعوا بذلك، فأجاروه من الأوس ومن قريظة، فأطلق أولادهم وحالفهم، ولم يزل حتى ردهم حلفاء الخزرج بحيل تحيّل بها، وكان رئيس الأوس في هذه الحرب حضير الذي قال له «حضير الكتائب» والد أيد بن حضير، وبها قتل، وقال خفاف بن ندبة يرثي حضيرا:

أتاني حديث فكذّبته ... وقالوا: خليلك في المرمس

فيا عين بكى حضير الندى ... حضير الكتائب والمجلس

وكان رئيس الخزرج عمرو بن النعمان البياضي كما تقدم أيضا، قال بعضهم: وكان النصر فيها أولا للخزرج، ثم ثبّت حضير الأوس فرجعوا وانتصروا.

وذكر أبو الفرج الأصبهاني أن سبب ذلك أنه كان من قاعدتهم أن الأصيل لا يقتل بالحليف، فقتل رجل من الأوس حليفا للخزرج، فأرادوا أن يقيدوه فامتنعوا، فوقعت بينهم الحرب لأجل ذلك.

وكان يوم بعاث قبل الهجرة بخمس سنين على الأصح، وقيل: بأربعين سنة، وقيل:

بأكثر، وهو اليوم الذي تقول فيه عائشة رضي الله عنها كما في الصحيح «كان يوم بعاث يوما قدمه الله لرسوله صلّى الله عليه وسلّم في دخولهم في الإسلام، فقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد افترق ملؤهم وقتلت سراتهم» يعني الأوس والخزرج، ومعناه أنه قتل فيه من أكابرهم من كان لا يؤمن أن يتكبر ويأنف أن يدخل في الإسلام لتصلبه في أمر الجاهلية ولشدة شكيمته حتى لا يكون تحت حكم غيره، وقد كان بقي منهم من هذا النمط عبد الله بن أبيّ بن سلول، وقصته في ذلك مشهورة، وكذلك أبو عامر الراهب الذي سماه النبي صلّى الله عليه وسلّم بالفاسق، قال أهل السير: قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة وسيد أهلها عبد الله بن أبي بن سلول، كان من الخزرج ثم من بني عوف بن الخزرج ثم من بني الحبلى، لا يختلف في شرفه في قومه اثنان، لم تجتمع الأوس والخزرج قبله ولا بعده على رجل من أحد الفريقين حتى جاء الإسلام غيره، ومعه في الأوس رجل هو في قومه من الأوس شريف مطاع أبو عامر بن

<<  <  ج: ص:  >  >>