للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورجعت بقية الخيول منهزمة، وقيل: اقتتلوا ثلاثة أيامة قتالا شديدا حتى يحجز الليل بينهم، سيما في اليوم الثالث، حتى شغلهم القتال عن صلاة العصر والمغرب- وقيل:

والظهر- وذلك قبل أن ينزل قوله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً [البقرة: ٢٣٩] قال مالك: ولم يستشهد يوم الخندق إلا أربعة أو خمسة، وذكر غيره ستة، وهم: سعد بن معاذ كما سيأتي، وأنس بن أوس بن عتيك، وعبد الله بن سهيل، وهم من بني عبد الأشهل، وثعلبة بن غنمة، والطفيل بن النعمان، وهما من بني سلمة، وكعب بن زيد من بني دينار بن النجار.

وكان من المناوشات بين الفريقين أن مات بعض بني عمرو بن عوف من أهل قباء، فاستأذن أقرباؤه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليدفنوه، فأذن لهم، فلما خرجوا إلى الصحراء لدفن ميتهم وافقوا ضرار بن الخطاب وجماعة من المشركين بعثهم أبو سفيان ليمتاروا له من قريظة على إبل له، فحملوا على بعضها قمحا، وعلى بعضها شعيرا، وعلى بعضها تمرا وتبنا للعلف، فلما رجعوا وبلغوا ساحة قباء وافقوا الذين كانوا يدفنون ميتهم، فناهضهم المسلمون وغلبوهم، فجرح ضرار جراحات، فهرب هو وأصحابه، وساق المسلمون الإبل بما عليها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان للمسلمين في ذلك سعة من النفقة.

[إسلام نعيم بن مسعود الأشجعي]

ثم أتى نعيم بن مسعود الأشجعي إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم مسلما، ولم يعلم به قومه، فقال له:

خذل عنا «١» ، فمضى إلى بني قريظة، وكان نديما لهم، فقال: قد عرفتم محبتي، قالوا:

نعم، فقال: إن قريشا وغطفان ليست هذه بلادهم، وإنهم إن رأوا فرصة انتهزوها، وإلا رجعوا إلى بلادهم وتركوكم في البلاد مع محمد، ولا طاقة لكم به، قالوا: فما ترى؟

قال: لا تقاتلوا معهم حتى تأخذوا منهم رهنا، فقبلوا رأيه، فتوجه إلى قريش فقال لهم: إن اليهود ندموا على الغدر بمحمد، فراسلوه في الرجوع إليه، فراسلهم بأنا لا نرضى حتى تبعثوا إلى قريش فتأخذوا منهم رهنا فأقتلهم، ثم جاء غطفان بنحو ذلك، فلما أصبح أبو سفيان بعث عكرمة بن أبي جهل إلى بني قريظة بأنا قد ضاق بنا المنزل، ولم نجد مرعى، فاغدوا للقتال حتى نناجز محمدا، فأجابوهم إن اليوم يوم السبت، ولا نعمل فيه شيئا، ولا بد لنا من الرهن منكم لئلا تغدروا بنا، فقالت قريش: هذا ما حذركم نعيم، فراسلوهم ثانيا: إنا لا نعطيكم رهنا، فإن شئتم أن تخرجوا فافعلوا، فقالت قريظة: هذا ما أخبرنا نعيم، ثم بعث الله عليهم الريح فما تركت لهم بناء إلا هدمته، ولا إناء إلا أكفته، لا تقر


(١) خذّلهم: احملهم على الفشل وترك القتال.

<<  <  ج: ص:  >  >>