عن طعن الجن فيهيج به الدم في البدن فيقتل، فهذا لم يدخل المدينة قط. قلت: نقل الزركشي عن القرطبي أنه فسر الطاعون بالموت العام الفاشي، وهو صريح في أنه أراد ما فهمه عنه الحافظ ابن حجر، ويرده قوله في الحديث المتقدم «حتى إذا كان قريبا من المدينة ببعض الطريق أصابه الوباء فأفزع الناس» فإن المراد فيه بالوباء الطاعون المعروف بعلاماته عندهم، وإلا فموت الشخص الواحد لا يفزع ولا يسمى موتا عاما، ويبعد جعل الموت العام بمجرده شهادة، وقد أخبر بعض الأولياء بمشاهدة الجن يقظة يطعنون الناس في بعض سني الطاعون، ورأيته أنا كذلك مناما، ورأيت أن بيني وبينهم حائلا، فحماني الله منه في تلك السنة، على أنه لو سلّم أن المراد ما ذكره القرطبي فالإشكال المتقدم باق؛ إذ يقال: لم لم يكثر بالمدينة وهو رحمة؟ فالحق ما قدمناه، وهذا- كما قال بعضهم- من المعجزات العظيمة المستمرة التي هي من أعلام نبوته صلّى الله عليه وسلّم لأن الأطباء بأجمعهم قد عجزوا عن دفع الطاعون عن بلد ما في دهر من الدهور. وقد امتنع الطاعون عن المدينة هذه الدهور الطويلة، مع أنه يقع بالحجاز الشريف، ويدخل قرية الينبع وجدة والفرع والصفراء والخيف وغير ذلك من الأماكن القريبة من المدينة، ولا يدخلها هي كما شاهدنا ذلك في طاعون أواخر سنة إحدى وثمانين وثمانمائة مع أوائل التي بعدها؛ فإنه عم أكثر الأماكن القريبة من المدينة، وكثر بجدة، واختلف في دخوله مكة، والذي تحققناه كثرة الموت بها في ذلك الزمان، وكثرت الحمى بالمدينة، لكن لم يكثر بها موت، وبالجملة فهي محفوظة منه أتم الحفظ؛ فلله الحمد والمنة.
[الفصل السادس في الاستشفاء بترابها، وبتمرها]
، وما جاء فيه
[ما جاء في أن ترابه شفاء]
روينا في كتاب ابن النجار والوفاء لابن الجوزي حديث «غبار المدينة شفاء من الجذام» وفي جامع الأصول لابن الأثير وبيّضا لمخرجه عن سعد رضي الله عنه قال: «لما رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من تبوك تلقاه رجال من المخلّفين من المؤمنين، فأثاروا غبارا، فخمر- أو فغطى- بعض من كان مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنفه، فأزال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اللثام عن وجهه، وقال: والذي نفسي بيده إن في غبارها شفاء من كل داء» قال: وأراه ذكر «ومن الجذام والبرص» وقد أورده كذلك رزين العبدري في جامعه، وهو مستند ابن الأثير في إيراده، قال الحافظ المنذري: ولم أره في الأصول.