قلت: وإسناد ابن شبة لا بأس به، غير أن فيه رجلا لم يسمّ، وسماه ابن زبالة، وذلك المسمى لا بأس به أيضا، لكن ابن زبالة لا يعتمد عليه في ذلك، وهو دال على أن اليهود نزلوا المدينة في زمن موسى عليه السلام، وطالت مدتهم بها في حياته، حتى وقع منهم ما يقتضي خوفه منهم عند مروره، وهو إنما يتأتى على ما قدمناه من أنه لما حج ومعه ناس من بني إسرائيل فرأوا موضع المدينة صفة بلد خاتم النبيين، فاشتورت طائفة منهم على أن يتخلفوا به، ويكون ما اتفق لموسى وهارون عليهما السلام في حجة أخرى بعد ذلك، وسيأتي في مسجد عرق الظبية بالروحاء حديث «ولقد مر به موسى بن عمران حاجّا ومعتمرا في سبعين ألفا من بني إسرائيل» ومن الغريب ما نقل الحافظ ابن حجر عن كتاب الأنواء لعبد الملك بن يوسف قال: إن قريظة كانوا يزعمون أنهم من ذرية شعيب نبي الله عليه السلام، وإن ذلك محتمل؛ فإن شعيبا كان من بني جذام القبيلة المشهورة- قال الحافظ ابن حجر: وهو بعيد جدّا- ونقل ابن زبالة ما حاصله: أن ممن كان من العرب مع يهود قبل الأنصار بنو أنيف حي من بلي، ويقال: إنهم بقية من العماليق، وبنو مريد حي من بلى، وبنو معاوية بن الحارث بن بهثة بن سليم، وبنو الجذماء حي من اليمن، وكانت الآطام عزّ أهل المدينة ومنعتهم التي كانوا يتحصنون فيها من عدوهم، وروى حديث النهي عن هدم آطام المدينة، قال: وكان لبني أنيف بقباء: الأجش عند البئر التي يقال لها لاوة، وأطمان فيما بين المال الذي يقال لها الماثة والمال الذي يقال له القائم، وآطام عند بئر عذق وغيرها، قال شاعرهم فيها:
ولو نطقت يوما قباء لخبرت ... بأنّا نزلنا قبل عاد وتبّع
وآطامنا عاديّة مشمخرّة ... تلوح فتنكى من نعادي وتمنع
[بقايا اليهود بالمدينة]
وكان ممن بقي من اليهود- حين نزلت عليهم الأوس والخزرج- جماعات منها بنو القصيص وبنو ناغصة كانوا مع بني أنيف بقباء، وكان بقباء رجل من اليهود يقال «إنه من بني النضير» كان له أطم يقال له «عاصم» كان في دار ثوبة بن حسين بن السائب بن أبي لبابة، وفيه البئر الذي يقال لها قباء، وقيل: إن بني ناغصة حي من اليمن كانت منازلهم في شعب بني حرام حتى نقلهم عمر بن الخطاب إلى مسجد الفتح، ومنها بنو قريظة في دارهم المعروفة بهم اليوم، وكان لهم بها آطام: من ذلك أطم الزبير بن باطا القرظي، كان موضعه في موضع مسجد بني قريظة، وأطم كعب بن أسد يقال له بلحان بالمال الذي يقال له الشجر، وله يقول الشاعر: