فلم يزل كذلك في زمان النبي صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر وعمر، فلما هدم عثمان المسجد اختلف في الجذع، فمنهم من قال: أخذه أبي بن كعب، فكان عنده حتى أكلته الأرضة، ومنهم من قال: دفن في موضعه.
[شهرة حديث حنين الجذع]
وقال عياض: حديث حنين الجذع مشهور منتشر، والخبر به متواتر، أخرجه أهل الصحيح، ورواه من الصحابة بضعة عشر.
وقال البيهقي: قصة حنين الجذع من الأمور الظاهرة التي حملها الخلف عن السلف، ورواية الأخبار الخاصة فيها كالتكلف، وفيه دليل على أن الجمادات قد يخلق الله لها إدراكا كأشرف الحيوان.
وقد نقل ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن أبيه عن عمرو بن سواد عن الشافعي قال: ما أعطى الله نبيا ما أعطى محمدا، فقلت: أعطى عيسى إحياء الموتى، قال: أعطى محمدا حنين الجذع حتى سمع صوته؛ فهذا أكبر من ذلك.
[الموضع الذي دفن فيه الجذع]
ونقل ابن زبالة اختلافا في دفن خشبته؛ فعن عثمان بن محمد: دفنت دوين المنبر عن يساره، وقال بعضهم: دفنت شرقي المنبر إلى جنبه، وقال بعضهم: دفنت تحت المنبر، وتقدم في رواية أنه دفن في موضعه الذي كان فيه، ومحصل الرواية المتقدمة في كلام يحيى أنه كان في جهة المشرق يسار المصلّى الشريف.
ونقل ابن زبالة عن عبد العزيز بن محمد أن الأسطوان الملطّخ بالخلوق ثلثاها أو نحو ذلك محرابها موضع الجذع الذي كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يخطب إليه، بينها وبين القبلة أسطوان، وبينها وبين المنبر أسطوان.
[بدعة اصطنعها الناس بسبب الجذع]
قلت: وهذه الأسطوانة هي التي تقدم أنها علم المصلّى الشريف عن يمينه، ولهذا روى عقبة ما قدمناه من القيام بمقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الصلاة لمن عدل عنها قليلا، وهذا مستند المطري في قوله: وكان هذا الجذع عن يمين مصلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لاصقا بجدار المسجد القبلي في موضع كرسي الشمعة اليمنى التي توضع عن يمين الإمام المصلّي في مقام النبي صلّى الله عليه وسلّم، والأسطوانة التي قبلي الكرسي متقدمة عن موضع الجذع؛ فلا يعتمد على قول من جعلها في موضع الجذع، قال: وفيها خشبة ظاهرة مثبتة بالرصاص سدادة لموضع كان في حجر من حجارة الأسطوانة مفتوح قد حوط عليه بالبياض والخشبة ظاهرة، تقول العامة:
هذا الجذع الذي حن إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وليس كذلك بل هو من جملة البدع التي يجب إزالتها