ونقل الزركشي في أعلام المساجد عن الكبير للطبراني بسند فيه مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صلاة في مسجدي هذا بعشرة آلاف صلاة، وصلاة في المسجد الحرام بعشرة أمثالها مائة ألف صلاة، وصلاة الرجل في بيت المقدس بألف صلاة، وصلاة الرجل في بيته حيث لا يراه أحد أفضل من ذلك كله» .
قلت: وهو ضعيف، ولم يورده الهيثمي في مجمعه في فضل الصلاة في المساجد الثلاث.
وهذه المضاعفة المذكورة في هذه المساجد لا تختص بالفريضة، بل تعم الفرض والنفل، كما قال النووي في شرح مسلم إنه المذهب.
قال الزركشي: وهو لازم تعليل الأصحاب استثناء النفل بمكة في الأوقات المكروهة بمزيد الفضيلة.
وقال الطحاوي من الحنفية: هو مختص بالفرض، وفعل النوافل بالبيت أفضل، وإليه ذهب ابن أبي زيد من المالكية، وهو المرجح عندهم، وفرق بعضهم بين أن يكون المسجد خاليا أم لا.
فإن قيل: كيف تقولون إن المضاعفة تعم الفرض والنفل وقد تطابقت الأصحاب ونص الحديث الصحيح على أن فعل النافلة في بيت الإنسان أفضل؟
قلنا: لا يلزم من المضاعفة في المسجد أن يكون أفضل من البيت كما قاله الزركشي وغيره، وغاية الأمر أن يكون في المفضول مزية ليست في الفاضل، ولا يلزم من ذلك جعله أفضل؛ فإن للأفضل مزايا إن كان للمفضول مزية، ولهذا بحث التاج السبكي مع أبيه في صلاة الظهر بمنى يوم النحر إذا جعلنا منى خارجة عن محل المضاعفة: هل يكون أفضل من صلاتها في المسجد لأنه صلّى الله عليه وسلّم فعلها بمعنى يومئذ أو في المسجد للمضاعفة؟ فقال والده: بل في منى وإن لم يحصل بها المضاعفة؛ فإن في الاقتداء بأفعال النبي صلّى الله عليه وسلّم ما يربو على المضاعفة، على أن الحافظ ابن حجر ذكر ما يقتضي إثبات المضاعفة للتنفل في البيوت بالمدينة ومكة، عملا بعموم قوله صلّى الله عليه وسلّم:«أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» فقال: وقد تقدم النقل عن الطحاوي وغيره أن ذلك- يعني التضعيف- مختص بالفرائض؛ لحديث:«أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» ويمكن أن يقال: لا مانع من إبقاء الحديث على عمومه؛ فتكون النافلة في بيت بالمدينة أو مكة تضاعف على صلاتها في البيت بغيرهما، وكذا في المسجدين، وإن كانت في البيوت أفضل مطلقا.