وإنما أوجب عدم العلم بعين قبر فاطمة رضي الله تعالى عنها وغيرها من السلف ما كانوا عليه من عدم البناء على القبور وتجصيصها، مع ما عرض لأهل البيت رضي الله تعالى عنهم من معاداة الولاة قديما وحديثا، حتى ذكر المسعودي أن المتوكل أمر في سنة ست وثلاثين ومائتين المعروف بالزبرج بالمسير إلى قبر الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما ومحو أرضه وهدمه وإزالة أثره، وأن يعاقب من وجد به، فبذل الرغائب لمن يقدم على ذلك، فكل خشي عقوبة الله فأحجم، فتناول الزبرج مسحاة وهدم أعالي قبر الحسين، فحينئذ أقدم الفعلة على العمل فيه، وانتهوا إلى الحفيرة وموضع اللحد فلم يجدوا فيه أثر رمّة ولا غيرها، ولم يزل الأمر على ذلك حتى استخلف المنتصر، انتهى.
ويتلخص مما تقدم أن المعتمد أن قبرها بالبقيع عند قبر الحسن، وقيل: في بيتها، ويتفرع عليه قولان: أحدهما ما تقدم عن عبد العزيز من أن محله من المسجد ما يقابل الباب الذي يواجه دار أسماء بنت حسين، يعني شامي باب النساء وهو بعيد جدّا، وثانيهما حكاه العز بن جماعة وقال: إنه أظهر الأقوال، وهو أنه في بيتها، وهو مكان المحراب الخشب الذي داخل مقصورة الحجرة الشريفة من خلفها، وقد رأيت خدّام الحجرة يجتنبون دوس ما بين المحراب المذكور وبين الموضع المزور من الحجرة الشريفة الشبيه بالمثلث، ويزعمون أنه قبر فاطمة رضي الله تعالى عنها.
وقد سبق في الفصل التاسع والعشرين من الباب الرابع أنهم لما أسّسوا دعائم القبة الكبرى المحاذية لأعلى الحجرة الشريفة أسسوا أسطوانة هناك زادوها عند الصفحة الشرقية من الموضع الشبيه بالمثلث خلف الحجرة، فوجدوا قبرا بدا لحده وبعض عظامه، وحصل للناس في ذلك اليوم أمر عظيم ومشقة زائدة فيما أخبرني به شيخ الخدام السيفي قائم وغيره.
وحكى ابن جماعة في قبر فاطمة رضي الله تعالى عنها قولين آخرين: أحدهما: أنه الصندوق الذي أمام مصلى الإمام بالروضة الشريفة، قال: وهو بعيد جدّا.
قلت: لم أقف له على أصل، ولعله اشتبه على قائله بالمحراب المتقدم ذكره في بيتها؛ لأن عنده مصلى شبه حوض كالمصلى بالروضة، وأمامه صندوق هو المحراب المذكور، لكن سبق في الفصل الثالث من الباب الرابع أنهم لما أسسوا في محل الصندوق المحترق الدعامة التي بها محراب المصلى النبوي، وهو مصلى الإمام، وجدوا هناك قبرا بدا لحده مسدودا باللبن أخرجوا منه بعض العظام، وأن الأقدمين حرفوا أساس الأسطوانة التي عنده عنه، فالله أعلم.
وثانيهما: أنه بالمسجد المنسوب إليها بالبقيع، يعني الذي بالقرب من قبة العباس رضي الله تعالى عنه من جهة القبلة جانحا إلى المشرق.