للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الأفق قتاما حتى ظن الظان أن الشمس والقمر كسفا إذ سلبا بهجة الإشراق في الآفاق، ولولا كفاية الله كفتها لأكلت ما تقدم عليه من الحيوان والنبات والحجر، انتهى.

وذكر الجمال المطري ما يخالف بعض هذا؛ فإنه قال: أخبرني علم الدين سنجر العزي من عتقاء الأمير عز الدين منيف بن شيحة صاحب المدينة قال: أرسلني مولاي الأمير عز الدين بعد ظهور النار بأيام، ومعي شخص من العرب، وقال لنا ونحن فارسان:

اقربا من هذه النار، وانظرا هل يقدر أحد على القرب منها، فإن الناس يهابونها لعظمها، فخرجت أنا وصاحبي إلى أن قربنا منها؛ فلم نجد لها حرا، فنزلت عن فرسي، وسرت إلى أن وصلت إليها، وهي تأكل الصخر والحجر، فأخذت سهما من كنانتي، ومددت به يدي إلى أن وصل النصل إليها فلم أجد لذلك ألما ولا حرا، فعرق النصل ولم يحترق العود، فأدرت السهم وأدخلت فيها الريش فاحترق الريش ولم يؤثر في العود.

وذكر المطري قبل ذلك أنها كانت تأكل كل ما مرت عليه من جبل وحجر، ولا تأكل الشجر، قال: وظهر لي في معنى ذلك أنه لتحريم النبي صلّى الله عليه وسلّم شجر المدينة؛ فمنعت من أكل شجرها لوجوب طاعته صلّى الله عليه وسلّم على كل مخلوق.

قلت: وذكر القسطلاني أن هذه النار لم تزل مارة على سبيلها حتى اتصلت بالحرة ووادي الشظاة، وهي تسحق ما والاها، وتذيب ما لاقاها من الشجر الأخضر والحصى من قوة اللظى، وأن طرفها الشرقي أخذ بين الجبال فحالت دونه ثم وقفت، وأن طرفها الشامي- وهو الذي يلي الحرم- اتصل بجبل يقال له وعيرة على قرب من شرقي جبل أحد، ومضت في الشظاة الذي في طرفه وادي حمزة رضي الله عنه، ثم استمرت حتى استقرت تجاه حرم النبي صلّى الله عليه وسلّم فطفئت، قال: وأخبرني شخص أعتمد عليه أنه عاين حجرا ضخما من حجارة الحرة كان بعضه خارجا عن حد الحرم، فعلقت بما خرج منه، فلما وصلت إلى ما دخل منه في الحرم طفئت وخمدت، انتهى.

وهذا أولى بالاعتماد من كلام المطري؛ لأن المطري لم يدرك هذه النار وإن أدرك من أدركها، بخلاف القطب فإنه أدركها، واعتنى بجمع أخبارها، وأفردها بالتصنيف، ولم يقف عليه المطري، وهذا أبلغ في الإعجاز، حيث لم تدخل هذه النار حرمه الشريف؛ إذ هي للإنذار والتخويف وهو نبي الرحمة صلّى الله عليه وسلّم.

[ضوء النار]

وقد نقل أبو شامة عن مشاهدة كتاب القاضي سنان الحسيني أن سيل النار انحدر مع وادي الشظاة حتى حاذى جبل أحد، وكادت النار تقارب حرة العريض وخاف الناس منها خوفا عظيما، ثم سكن قتيرها الذي يلي المدينة، وطفئت مما يلي العريض بقدرة الله

<<  <  ج: ص:  >  >>