طعامهم التمر، فواسونا، ولو أجد لكم الخبز واللحم لأطعمتكم، ولكن لعلكم ستدركون زمانا أو من أدركه منكم يلبسون فيه مثل أستار الكعبة ويغدى ويراح عليكم بالجفان.
[مبدأ تعليق الأقناء]
وقال ابن النجار: روى أهل السير أن محمد بن مسلمة رأى أضيافا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد، فقال: ألا نفرق هذه الأضياف في دور الأنصار، ونجعل لك في كل حائط قنوا ليكون لمن يأتيك من هؤلاء الأقوام، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: بلى، فلما جدّ ماله جاء بقنو فجعله في المسجد بين ساريتين، فجعل الناس يفعلون ذلك، وكان معاذ بن جبل يقوم عليه، وكان يجعل حبلا بين الساريتين ثم تعلّق الأقناء على الحبل، وتجمع العشرين وأكثر فيهش عليهم بعصا من الأقناء فيأكلون حتى يشبعون، ثم ينصرفون ويأتي غيرهم فيفعل بهم مثل ذلك، فإذا كان الليل فعل لهم مثل ذلك.
قلت: بوّب البخاري للقسمة وتعليق القنو في المسجد، ولم يذكر في الباب تصريحا بتعليق القنو، فأشار بذلك إلى ما رواه النسائي عن عوف بن مالك الأشجعي قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبيده عصا، وقد علق رجل قنو حشف، فجعل يطعن في ذلك القنو، ويقول: لو شاء رب هذه الصدقة تصدق بأطيب من هذا، إن رب هذه الصدقة يأكل حشفا يوم القيامة، وليس على شرط البخاري، وإن كان إسناده قويا، فأشار إليه بالتبويب ولم يذكره كعادته.
وروى ابن زبالة عن إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه أن ناسا كانوا يقدمون على النبي صلّى الله عليه وسلّم لا شيء لهم، فقالت الأنصار: يا رسول الله، لو عجلناك قنوا من كل حائط لهؤلاء، قال: أجل فافعلوا، ففعلوا، فجرى ذلك إلى اليوم، فهي الأقناء التي تعلق في المسجد عند جدار النخل فيعطاها المساكين، وكان عليها على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معاذ بن جبل.
وقال يحيى: حدثني هرون بن موسى عن غير واحد من أهل المدينة أن الناس أصابتهم في ثمارهم عاهة من العاهات في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما على أحدكم لو بعث بقنو من نخله للمساكين، فبعث ذلك الناس، واستعمل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الأقناء معاذ بن جبل، فكان يمد حبلا بين جذعين ويعلق عليه الأقناء، فرفع الله تلك العاهة، فصارت سنة، ولم تزل الأئمة عليها إلى اليوم.
وروى يحيى أيضا عن عاصم بن سويد قال: سمعت أبي يقول: عويم بن ساعدة أتى بقنو إلى مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتسى الناس به أهل العالية وأهل السافلة.
وأخرج ثابت في الدلائل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم «أمر من كل حائط بقنو يعلق في المسجد» يعني للمساكين.