ثم رأيت في كلام ابن زبالة ما يردّ ذلك، ويزيد الإشكال قوة فإنه قال في صدقات النبي صلى الله عليه وسلم ما لفظه: وأما الدلال والصافية فإنهما يشربان من سرح عثمان بن عفان الذي يشقّ من مهزور في أمواله، يأتي على أريس وأسفل منه حتى يتبطّن السورين، فصرفه- أي عثمان رضي الله تعالى عنه- مخافة على المسجد في بئر أريس، ثم في عقد أريم في بلحارث بن الخزرج، ثم صرفه إلى بطحان، انتهى.
والموضع المعروف بقباء لا يمكن وصول شيء من مهزور إليه، كما يعلم مما سيأتي في وصف وادي مهزور، فالله أعلم.
[من فضل بئر أريس]
قال المجد: ومما يذكر في فضل بئر أريس ما رويناه عن زيد بن خارجة أنه عاش بعد الموت وذكر أمورا: منها ما يدل على فضل هذه البئر، وسياق الخبر عن النعمان بن بشير قال: لما توفي زيد بن خارجة انتظر به خروج عثمان، فكشف الثوب عن وجهه وقال:
السلام عليكم، قال: وأنا أصلّي، فقلت: سبحان الله، فقال: أنصتوا أنصتوا، محمد رسول الله، كان ذلك في الكتاب الأول، صدق صدق صدق، أبو بكر الصديق، ضعيف في جسده قوي في أمر الله كان ذلك في الكتاب الأول، صدق صدق صدق، عمر بن الخطاب، قوي في أمر الله كان ذلك في الكتاب الأول، صدق صدق صدق، عثمان بن عفان، اثنتان وبقي أربع، وأبيحت إلا حمى بئر أريس وماء بئر أريس.
وقد رويت هذه القصة من وجوه عن النعمان بن بشير، ذكره الذهبي في التذهيب.
قلت: رواها ابن شبة بنحوه، إلا أنه قال في آخرها: بئر أريس اختلف الناس، ارجعوا إلى خليفتكم فإنه مظلوم.
وقال في رواية أخرى: ثم قال: أخذت بئر أريس، ثم خفت الصوت.
وروى البيهقي في دلائل النبوة هذه القصة من وجوه، وقال في بعضها: إسناده صحيح، وفسر قوله «اثنتان» بأن ذلك كان بعد مضي سنتين من خلافة عثمان، والأربع البواقي من خلافته، والأمر في بئر أريس سقوط خاتم النبي صلى الله عليه وسلم فيها بعد ست سنين من خلافة عثمان، فعند ذلك تغيرت علمه، وظهرت أسباب الفتن، انتهى.
قال المجد: وفي الإحياء للغزالي أن النبي صلى الله عليه وسلم «تفل في بئر أريس» ولم أجد ذلك عند غيره، وأعاد المجد ذكر بئر أريس في ترجمة قباء وقال: إنها التي تفل فيها النبيّ صلى الله عليه وسلم فعذبت بعد أن كان ماؤها أجاجا، ولم ينسبه للغزالي، وهو في ذلك متابع لابن جبير في رحلته.
وقال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: إنه لم يقف على أصل الحديث في تفله صلى الله عليه وسلم في بئر أريس.