للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اختار السراج البلقيني هذا الوجه، قال: لأن الخلاف في ذلك مبني على الخلاف في ضمان صيدها، والمختار عند النووي ضمان صيدها بسلب الصائد. قلت: وما قاله متجّه؛ لعموم قوله «كما حرم إبراهيم مكة» وإنما اختصت مكة بمنع الكافر من دخولها مطلقا، بخلاف المدينة فيجوز أن يدخلها بإذن الإمام أو نائبه للمصلحة؛ لأن المشركين أخرجوا منها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعاقبهم الله بالمنع من دخولها بكل حال تعظيما لرسوله صلّى الله عليه وسلّم واستحسن الروياني في البحر التسوية بين مكة والمدينة في أن من مات من الكفار بهما يخرج ويدفن خارجهما، وعلى القول باختصاصه بمكة موجبه ما قدمناه.

[الخامسة: حكم لقطة حرم المدينة]

سوّى صاحب الانتصار من أصحابنا بين حرم مكة والمدينة في أن لقطتهما لا تحل للتملك، بل للحفظ أبدا، وقال الدارمي: لا تلحق لقطة حرم المدينة بحرم مكة في ذلك. قلت: والذي يقتضيه الدليل ترجيح الأول؛ للنص على ذلك في الأحاديث المتقدمة في الفصل الثامن، وإن كان الأصحاب خصوا مكة بالذكر.

[السادسة: حكم المقاتلة في حرم المدينة]

مقتضى قوله صلّى الله عليه وسلّم في الأحاديث المتقدمة أيضا «ولا يحمل فيها سلاح لقتال» أن يأتي فيها ما نقل من الخلاف في حرم مكة من أن المقاتلة الجائزة في غيره تحرم فيه كقتال البغاة به «١» ، بل يضيق عليهم إلى أن يخرجوا أو يفيئوا «٢» كما ذهب إليه جماعة.

وقال الجمهور: يقاتلون؛ لأن هذا القتال من حقوق الله، وحفظها في الحرم أولى، والحرم لا يعيذ عاصيا. وذهب الحسن البصري إلى أنه لا يحل لأحد أن يحمل السلاح بمكة؛ للنهي عن القتال فيه، فلا يحمل ما هو من أسبابه، ولقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحل لأحد أن يحمل السلاح بمكة» رواه مسلم.

[السابعة: حكم الاستنجاء بحجارة الحرم]

حكى الماوردي وجهين في جواز الاستنجاء بحجارة الحرم، قال ظاهر المذهب سقوط الفرض بذلك مع تأثيمه. قلت: ينبغي حمله على من نقله من الحرم ليستنجي به في الحل مثلا، وإلا فهو مشكل؛ إذ لا خلاف في إباحة البول في الحرم، فالاستنجاء بالحجارة كذلك، وعبارة شرح المهذب في النقل عن الماوردي بعد حكاية الوجهين في سقوط فرض الاستنجاء بالذهب والديباج: وطردهما الماوردي في الاستنجاء


(١) البغاة: جمع باغي: الخارج عن القانون.
(٢) الفيئة: التوبة الحسنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>