للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صيفي بن النعمان أحد بني ضبيعة بن زيد، وهو أبو حنظلة الغسيل، وكان قد ترهب ولبس المسوح، فشقيا بشرفهما: أما عبد الله بن أبي فلما انصرف عنه قومه إلى الإسلام ضغن ورأى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد استلبه ملكا، فلما راى قومه قد أبوا إلا الإسلام دخل فيه كارها مصرا على نفاق وضغن، فكان رأس المنافقين، وإليه يجتمعون، وهو القائل في غزوة بني المصطلق لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ [المنافقين: ٨] وأما أبو عامر فأبى إلا الكفر والفراق لقومه حين اجتمعوا على الإسلام. وأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين قدم المدينة فقال: ما هذا الدين الذي جئت به؟ قال: جئت بالحنيفية دين إبراهيم، قال: فأنا عليها، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنك لست عليها، قال: إنك أدخلت يا محمد في الحنيفية ما ليس منها، قال: ما فعلت، ولكني جئت بها بيضاء نقية، قال:

الكاذب أماته الله طريدا غريبا وحيدا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أجل، فمن كذب ففعل الله ذلك به، فكان هو ذاك عدو الله: خرج إلى مكة مفارقا الإسلام، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

«لا تقولوا الراهب، ولكن قولوا الفاسق» فلما افتتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة خرج إلى الطائف، فلما أسلم أهل الطائف لحق بالشام، فمات بها طريدا غريبا وحيدا.

وروى بعضهم أنه لم يكن في الأوس والخزرج رجل أوصف لمحمد صلّى الله عليه وسلّم من أبي عامر المذكور، وكان يألف اليهود ويسائلهم فيخبرونه بصفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم خرج إلى يهود تيماء وإلى الشام، فسأل النصارى فأخبروه بذلك، فرجع وهو يقول: أنا على دين الحنيفية، وترهب ولبس المسوح، وزعم أنه ينتظر خروج النبي صلّى الله عليه وسلّم فلما ظهر بمكة لم يخرج إليه، فلما قدم المدينة حسد وبغى، وذكر إتيانه النبي صلّى الله عليه وسلّم بنحو ما سبق، إلا أنه قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الكاذب أماته الله وحيدا طريدا» قال: آمين، ثم ذكر خروجه إلى مكة، وزاد: فكان مع قريش يتبع دينهم وترك ما كان عليه؛ فهذا مصداق ما ذكرت عائشة رضي الله عنها.

الفصل السابع في مبدأ إكرام الله لهم بهذا النبي صلّى الله عليه وسلّم وذكر العقبة الصغرى

اعلم أن تلك الحروب المتقدمة لم تزل بين الأوس والخزرج حتى أكرمهم الله باتباعه صلّى الله عليه وسلّم وذلك أنه صلّى الله عليه وسلّم كان يعرض نفسه في كل موسم من مواسم العرب على قبائلهم، ويقول: ألا رجل يحملني إلى قومه؟ فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي، فيأبونه ويقولون: قوم الرجل أعلم به.

وذكر ابن إسحاق عرضه عليه الصلاة والسلام نفسه على كندة وعلى كلب وعلى بني

<<  <  ج: ص:  >  >>