وفيما قدمناه ما يبين أنه كان في شرقي المسجد في ناحية موضع الجنائز، وظاهر كلام ابن زبالة وابن شبة أن أول حدوثه في زمن معاوية رضي الله عنه؛ فإنهما رويا عن عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله قال: بلّط مروان بن الحكم البلاط بأمر معاوية رضي الله عنه، وكان مروان بلط ممر أبيه الحكم إلى المسجد، وكان قد أسن وأصابته ريح، فكان يجر رجليه فتمتلئان ترابا، فبلطه مروان بذلك السبب، فأمره معاوية بتبليط ما سوى ذلك مما قارب المسجد ففعل، وأراد أن يبلط بقيع الزبير فحال ابن الزبير بينه وبين ذلك، وقال:
تريد أن تنسخ اسم الزبير، ويقال: بلاط معاوية؟ قال: فأمضى مروان البلاط، فلما حاذى دار عثمان بن عبيد الله ترك الرحبة التي بين يدي داره فقال له عبد الرحمن بن عثمان: لئن لم تبلّطها لأدخيلنها في داري، فبلطها مروان.
واقتصر عياض في بيان البلاط على ما في غربي المسجد منه، فقال: البلاط موضع مبلط بالحجارة بين المسجد والسوق بالمدينة، انتهى.
وقد تبع في ذلك أبا عبيد البكري، وفيه نظر؛ لأن مقتضى الأحاديث المتقدمة إرادة ما في شرقي المسجد منه، ومع ذلك فهو في شرقي المسجد وغربيه والشام.
وقال ابن شبة: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا من يوثق به من أهل العلم أن الذي بلط حوالي مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالحجارة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، أمر بذلك مروان بن الحكم، وولي عمله عبد الملك بن مروان، وبلط ما حول دار عثمان بن عفان الشارعة على موضع الجنائز.
[حدود البلاط]
وحدّ ذلك البلاط الغربي: ما بين المسجد إلى خاتم الزوراء عند دار العباس بن عبد المطلب بالسوق. وحده الشرقي إلى دار المغيرة بن شعبة رضي الله عنه التي في طريق البقيع من المسجد. وحده اليماني إلى حد زاوية دار عثمان بن عفان الشارعة على موضع الجنائز.
وحده الشامي وجه حش طلحة خلف المسجد، وهو في المغرب أيضا إلى حد دار إبراهيم ابن هشام الشارعة على المصلي.
وللبلاط أسراب ثلاثة تصب فيها مياه المطر؛ فواحد بالمصلى عند دار إبراهيم بن هشام، وآخر على باب الزوراء عند دار العباس بن عبد المطلب بالسوق، ثم يخرج ذلك الماء إلى ربيع في الجبانة عند الحطابين، وآخر عند دار أنس بن مالك في بني جديلة عند دار بنت الحارث، اه.
ويؤخذ من ذلك أن البلاط كان من المغرب فيما بين المسجد وبين الدور المطيفة به.
ويمتد البلاط الآخر من باب الرحمة إلى أن يصل إلى الصواغ وسوق العطارين اليوم،