وروى عبد الله بن أحمد في زوائد المسند برجال الصحيح إلا أن فيهم فليحا- وقد روى له الجماعة، وقال الحاكم: اتفاق الشيخين عليه يقوي أمره، وقال الساجي: ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الدارقطني: فليح يختلفون فيه، وقال بعضهم: إنه كثير الخطأ- عن عبد الله بن زيد المازني قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما بين هذه البيوت- يعني بيوته- إلى منبري روضة من رياض الجنة، والمنبر على ترعة من ترع الجنة» .
[معنى كون المنبر على الحوض]
وقد اختلف في معنى ذلك؛ فقال الخطابي: معنى قوله: «ومنبري على حوضي» أن قصد منبره والحضور عنده لملازمة الأعمال الصالحة يورد الحوض ويوجب الشرب منه، وهذا قول الباقي، والثاني: أن منبره الذي كان يقوم عليه صلّى الله عليه وسلّم يعيده الله كما يعيد سائر الخلائق، ويكون على حوضه في ذلك اليوم، واعتمد ذلك ابن النجار، وحكى ابن عساكر القول بأن المراد منبره بعينه الذي كان في الدنيا، ثم قال: وهو أظهر، وعليه أكثر الناس، فتبع شيخه ابن النجار في ذلك، والثالث أن المراد منبر يخلقه الله تعالى له في ذلك اليوم، ويجعله على حوضه.
قلت: ويظهر لي معنى رابع، وهو أن البقعة التي عليها المنبر تعاد بعينها في الجنة، ويعاد منبره ذلك على هيئة تناسب ما في الجنة؛ فيجعل المنبر عليها عند عقر الحوض، وهو مؤخره، وعن ذلك عبر بترعة من ترع الجنة، وذكر النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك لأمته للترغيب في العمل في هذا المحل الشريف ليفضي بصاحبه إلى ذلك، وهذا في الحقيقة جمع بين القولين الأولين، وسيأتي في الزيارة ما ذكره ابن عساكر من أن الزائر يأتي المنبر الشريف، ويقف عنده، ويدعو.
[معنى أن الروضة من رياض الجنة]
واختلفوا أيضا في معنى ما جاء في الروضة الشريفة، قال الحافظ ابن حجر: محصل ما أول به العلماء ذلك أن تلك البقعة كروضة من رياض الجنة في نزول الرحمة وحصول السعادة بما يحصل فيها من ملازمة حلق الذكر، لا سيما في عهده صلّى الله عليه وسلّم؛ فيكون مجازا، أو المعنى أن العبادة فيها تؤدي إلى الجنة، فيكون مجازا أيضا، أو هو على ظاهره، وأن المراد أنها روضة حقيقة بأن ينقل ذلك الموضع إلى الجنة؛ ثم قال: وهذه الأقوال على ترتيبها هذا في القوة، وهو محتمل لتقوية الأول أو الأخير، والأخير أقواها عندي، وهو الذي ذهب إليه ابن النجار، ونقله البرهان ابن فرحون في منسكه عن ابن الجوزي وغيره عن مالك، فقال:
وقوله:«ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة» حمله مالك رحمه الله على ظاهره، فنقل عنه ابن الجوزي وغيره أنها روضة من رياض الجنة تنقل إلى الجنة، وأنها ليست كسائر