[الفصل الثامن والعشرون فيما تجدد من عمارة الحجرة الشريفة في زماننا على وجه لم يخطر قط بأذهاننا، وما حصل بسببه من إزالة هدم الحريق الأول من ذلك المحل الشريف، ومشاهدة وضعه المنيف، وتصوير ما استقر عليه أمر الحجرة في هذه العمارة]
اعلم أن بعض سقف المسجد التي تقدم تجديدها كان قد ظهر تكسّر بعض أخشابه في هذه الدولة الأشرفية- أعز الله أنصارها، وأعلى في سلوك العدل منارها- فورد المدينة المقر الأشرف السيفي شاهين الجمالي منصرفه من جدة المعمورة، فأروه ذلك، وأروه الحائز المخمس الدائر على الحجرة الشريفة لانشقاق فيه قديم يظهر إذا رفعت الكسوة عند منتهى الصفحة الشرقية وانعطافها إلى الزاوية الشمالية، فرفعوا عنه الكسوة، وأحضروا بعض أرباب الخبرة بسبب ذلك، فاختلف النقل عمن حضر ذلك في كونه ضروريا أو غير ضروري، فاجتمعت بالمشار إليه بسبب ذلك، فذكر لي أن الذي تحرر أنه ليس بضروري؛ لأنه شق في طول الحائط لا في عرضه، وهو قديم مملوء بالجص، والحائط ليس عليه سقف يثقله فنخشى عليه، فأعجبني كلامه.
ثم أنهى في سنة ثمان وسبعين لمولانا السلطان الأشرف احتياج المسجد الشريف للعمارة، وسقوط منارة مسجد قباء، وكان الجناب الخواجكي الشمسي بن الزمن مغرما بمثل ذلك، وسبق له بالمدينة الشريفة عمارة لمدرسته المعروفة بالزمنية على يد بعض جماعته، ففوض إليه السلطان أمر عمارة المسجد النبوي، فكان ما تقدم من مجيئه إلى المدينة الشريفة في أثناء سنة تسع وسبعين، وتقريره أمر العمارة، ثم توجه إلى مصر المحروسة، فكان من أمر العمارة ما قدمناه.
ثم رغب في أمر العمارة المقر الشرقي شرف الدين الأنصاري تغمده الله برحمته ففوض له ذلك، وحضر صحبة الحاج إلى مكة المشرفة، وأقام بها مدة حتى يتكامل حصول آلات العمارة، فتوفى بها ليلة سابع عشر صفر عام أحد وثمانين وثمانمائة بعد شكوى خفيفة.
ثم وردت المراسيم الشريفة بتفويض أمر العمارة للجناب الشمسي بن الزمن وكان بجدة المعمورة فورد المدينة الشريفة صحبة شاد جدة في جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين، وأحضر معه جماعة من أرباب الصنائع، وأقام لينظر في أمر العمارة بنفسه، فكان ما تقدم من إصلاح السقف الأعلى وعمارة غيره من السّقف المتقدم ذكرها، وإحكام القبة الزرقاء المحاذية للحجرة الشريفة بسقف المسجد، وإصلاح حلية الصندوق الكائن بأصل الأسطوان التي في جهة الرأس الشريف والقائم المجدد فوقه.