سقط بعضها، وهو بلا سقف، وحيطانه مهدومة، وقد كان مبنيّا على شكل بناء مسجد قباء، وحوله بساتين ومزارع.
وذكر في ذرعه شيئا الظاهر أنه تحريف فإنه قال: طوله نحو العشرين ذراعا وعرضه كذلك، وهذا لا يطابق ما عليه المسجد اليوم ولا ما قدّمه هو من الوصف ولعله خمن أن ذرعه كذلك في حال غيبته عنه، فقد قال المطري: إن ذرعه نحو من خمسة وأربعين ذراعا، وعرضه كذلك.
قال: وكان فيه أساطين وعقود ومنارة في مثل موضع منارة قباء، فتهدّم على طول الزمان، ووقعت منارته، أثرها اليوم باق تعرف به، وأخذت أحجاره جميعا. قال المطري:
وبقي أثره إلى العشر الأول بعد السبعمائة، فجدّد وبنى عليه حظير مقدار نصف قامة، وكان قد نسي فمن ذلك التاريخ عرف مكانه.
قلت: وهو اليوم على الهيئة التي ذكرها المطري، وقد اختبرت ذرعه فكان من القبلة إلى الشام أربعة وأربعين ذراعا وربعا، ومن المشرق إلى المغرب ثلاثة وأربعين ذراعا، وقد جدّد بناء جداره الشجاعيّ شاهين الجمالي شيخ الحرم النبوي وناظره عام ثلاث وتسعين وثمانمائة.
[مشربة أم إبراهيم]
ومنها: المسجد الذي يقال له «مشربة أم إبراهيم عليه السلام» .
وروى ابن زبالة ويحيى من طريقه وابن شبة من طريق أبي غسان عن ابن أبي يحيى عن يحيى بن محمد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم «صلّى في مشربة أم إبراهيم» .
وروى ابن شبة فيما جاء في صدقات النبي صلى الله عليه وسلم عن ابن شهاب أن تلك الصّدقات كانت أموالا لمخيريق، كما سيأتي، وعدّ منها مشربة أم إبراهيم، ثم قال: وأما مشربة أم إبراهيم فإذا خلفت بيت مدراس اليهود فجئت مال أبي عبيدة بن عبيد الله بن زمعة الأسدي فمشربة أم إبراهيم إلى جنبه، وإنما سميت مشربة أم إبراهيم لأن أم إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم ولدته فيها، وتعلّقت حين ضربها المخاض بخشبة من خشب تلك المشربة، فتلك الخشبة اليوم معروفة، انتهى ما رواه ابن شبة عن ابن شهاب.
قال ابن النجار: وهذا الموضع بالعوالي من المدينة بين النخيل، وهو أكمة قد حوّط عليها بلبن، والمشربة: البستان، وأظنه قد كان بستانا لمارية القبطية أم إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: قال في الصحاح: المشربة بالكسر- أي: بكسر الميم- إناء يشرب فيه، والمشربة بالفتح: الغرفة، وكذلك المشربة بضم الراء، والمشارب: العلالي، وليس في كلامه إطلاق ذلك على البستان، والظاهر أنها كانت عليّة في ذلك البستان، وهو أحد صدقات النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الذي يناسب ما تقدم من رواية ابن شبة في سبب تسميتها بذلك.