وروى ابن زبالة عن خالد بن عوسجة: كنت أدعو ليلة إلى زاوية دار عقيل بن أبي طالب التي تلي باب الدار، فمر بي جعفر بن محمد يريد العريض معه أهله، فقال لي: أعن أثر وقفت هاهنا؟ قلت: لا، قال: هذا موقف نبي الله صلى الله عليه وسلم بالليل إذا جاء يستغفر لأهل البقيع.
قلت: وسيأتي أن من دار عقيل الموضع المعروف بمشهده، وأن به قبر ابن أخيه عبد الله بن جعفر على ما ذكره ابن النجار.
وقال عقب إيراد هذا الخبر: ودار عقيل الموضع الذي دفن فيه، قال الزين المراغي:
فينبغي الدعاء فيه. قال: وقد أخبرني غير واحد أن الدعاء عند ذلك القبر مستجاب، ولعل هذا سببه. أو لأن عبد الله بن جعفر كان كثير الجود فأبقى الله قضاء الحوائج عند قبره.
ومن غريب ما اتفق ما أخبرني به من أثق بدينه أنه دعا في هذا المكان، وتذاكر مع رفيق له ذلك، فرأى ورقة على الأرض مكتوبة، فأخذها تفاؤلا لذلك، فإذا فيها وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: ٦٠] من جهتيها، انتهى.
قلت: ولم أقف في كلام المتقدمين على أصل في دفن عبد الله بن جعفر هناك، بل اختلف في أنه دفن بالمدينة أو بالأبواء، والمعتمد في سبب الاستجابة هناك ما ذكر أولا، ولهذا يستحبّ الدعاء في جميع الأماكن التي دعا بها النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكلها مواطن إجابة.
[الفصل السادس في تعيين قبور بعض من دفن بالبقيع من الصحابة وأهل البيت، والمشاهد المعروفة بالمدينة.]
[قبر إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم]
بيان قبر إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكونه عند قبر عثمان بن مظعون، وجاء فيهما، ومن دفن عندهما.
روى ابن شبة بإسناد جيد عن البراء رضي الله تعالى عنه قال: مات إبراهيم- يعني ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو ابن ستة عشر شهرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادفنوه في البقيع، فإن له مرضعة في الجنة تتم رضاعه.
وعن مكحول قال: توفي إبراهيم عليه السلام، فلما وضع في اللحد ورصف عليه اللبن بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بفرجة من اللبن، فأخذ بيده مدرة فناولها رجلا فقال: ضعها في تلك الفرجة، ثم قال: أما إنها لا تضر ولا تنفع، ولكنها تقر بعين الحي.
وعن محمد بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم رشّ على قبر ابنه إبراهيم، وأنه أول من رش عليه، قال: ولا أعلم إلا أنه قال: وحثا عليه بيده من التراب، وقال حين فرغ من دفنه عند رأسه: السلام عليكم.