وروى ابن زبالة عن عمر بن عبد الله الديناري وعمار بن حفص أن النبي صلى الله عليه وسلم عرض جيش بدر بالسقيا، وصلّى في مسجدها، ودعا هنالك لأهل المدينة أن يبارك لهم في صاعهم ومدّهم، وأن يأتيهم بالرزق من ها وهنا. قال: واسم البئر السقيا، واسم أرضها الفلجان.
قلت: ولم يكن هذا المسجد معروفا، ولم يذكره المطري، بل تردد في البئر بين البئر التي في المحل المذكور وبين البئر المعروفة بزمزم، ومال إلى ترجيح أنها التي في المحل المذكور، فاتفق أني جئت إلى ذلك المحل وتطلبت المسجد، فرأيت محله رضما، فأرسلت إليه بعض المعلمين وأمرته أن يتتبع الأساس بالحفر من داخله فظهر محراب المسجد وتربيعه وبناؤه بالحجارة المطابقة بالجص، وقد بقي منه في الأرض أزيد من نصف ذراع فيه بياض المسجد بالقصّة بحيث يعلم الناظر أنه من البناء العمري، وخرج الناس أفواجا لرؤيته والتبرك به، ثم بنى ولله الحمد على أساسه الأول، وهو مربع، مساحته نحو سبعة أذرع في مثلها.
[مسجد ذباب (الراية)]
ومنها: مسجد ذباب، ويعرف اليوم بمسجد الراية، ولما لم يعرفه المطري قال: وليس بالمدينة مسجد يعرف غير ما ذكر إلّا مسجدّا أعلى ثنية الوداع عن يسار الداخل إلى المدينة من طريق الشام، ومسجدّا آخر على طريق السافلة، ولم يرد فيهما نقل يعتمد عليه.
قال الزين المراغي في بيان المسجد الأول: وكأنه يريد به المسجد المعروف بمسجد الراية.
قلت: هو مراده؛ لوجوده في زمنه، ولم يعدّه في المساجد وأطلق على محل ثنية الوداع لقربه منها، وهو مبني بالحجارة المطابقة على صفة المساجد العمرية، وكان قد تهدم فجدده الأمير جانبك النيروزي رحمه الله تعالى سنة خمس أو ست وأربعين وثمانمائة، وقد اتضح لنا ما جاء في هذا المسجد بحمد الله تعالى لأن الإمام أبا عبد الله الأسدي في المتقدمين لما عدد في كتابه الأماكن التي تزار في المدينة الشريفة قال: مسجد الفتح على الجبل، ومسجد ذباب على الجبل، انتهى. وذباب: اسم الجبل الذي عليه المسجد المذكور كما سنوضحه.
وقد روى ابن زبالة وابن شبة عن عبد الرحمن الأعرج أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى على ذباب.
وروى الثاني عن ربيع بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري قال: ضرب النبي صلى الله عليه وسلم قبّته على ذباب.
وعن الحارث بن عبد الرحمن قال: بعثت عائشة رضي الله تعالى عنها إلى مروان بن الحكم حين قتل ذبابا وصلبه على ذباب تقول: موقف صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم واتخذته مصلبا.
قال أبو غسان: وذباب رجل من أهل اليمن عدا على رجل من الأنصار، وكان عاملا