أصحاب مسجد الضّرار قد كانوا أتوه وهو يتجهّز إلى تبوك فقالوا: يا رسول الله إنا قد بنينا مسجدّا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة، وإنا نحبّ أن تأتينا فتصلي لنا فيه، فقال: إني على جناح سفر وحال شغل، ولو قدمنا إن شاء الله أتيناكم فصلينا لكم فيه، فلما قفل ونزل بذي أوان نزل عليه القرآن في شأن مسجد الضرار، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك ابن الدخشم ومعن بن عدي، أو أخا عاصم بن عدي، فقال: انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه واحرقاه، فانطلقا مسرعين ففعلا وحرقاه بنار في سعف.
وفي رواية ذكرها البغوي أن الذين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بهدمه وإحراقه انطلقوا سريعا حتى أتوا سالم بن عوف، وهم رهط مالك بن الدخشم فقال مالك: انظروني حتى أخرج إليكم بنار من أهالي، فدخل أهله فأخذ سعفا من النخيل، فأشعل فيه نارا ثم خرجوا يشتدّون حتى دخلوا المسجد وفيه أهله فحرقوه وهدموه، وتفرق عنه أهله وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ ذلك كناسة تلقي فيها الجيف والنتن والقمامة.
وقال ابن النجار: هذا المسجد بناه المنافقون مضاهاة لمسجد قباء، وكانوا يجتمعون فيه ويعيبون النبي صلى الله عليه وسلم، ويستهزئون به.
[أسماء بناة مسجد الضرار]
قال ابن إسحاق: وكان الذين بنوه اثنى عشر رجلا: خدام بن خالد، وهو من بني عبيد بن زيد بن مالك ومن داره أخرجه، وثعلبة بن حاطب من بني أمية بن زيد أي أحد بني عمرو بن عوف، ومعتّب بن قشير من بني ضبيعة بن زيد، وأبو حبيبة بن الأذعر، وعياد بن حنيف من بني عمرو بن عوف، وجار بن عامر، وابناه مجمع وزيد، ونبتل بن الحارث، ومخرج ومجاد بن عثمان، سبعتهم من بني ضبيعة، ووديعة بن ثابت من بني أمية بن زيد، انتهى.
وقال بعضهم: إن رجالا من بني غنم بن عوف وبني سالم بن عوف كان فيهم نفاق حسدوا قومهم بني عمرو بن عوف، وكان أبو عامر المعروف بالراهب- وسماه النبي صلى الله عليه وسلم بالفاسق- منهم.
قلت: وهو من بني ضبيعة أحد بني عمرو بن عوف من الأوس، وتقدم أن بني غنم ابن عوف وبني سالم بن عوف من الخزرج وليسوا بقباء، ففي هذا القول نظر.
قال: فكتب أبو عامر وهو بالشام إلى المنافقين من قومه أن يبنوا مسجدّا مقاومة لمسجد قباء وتحقيرا له، فإني ساتي بجيش أخرج به محمدا وأصحابه من المدينة فبنوه وقالوا: سيأتي أبو عامر ويصلي فيه، ونتخذه متعبدا، وذلك هو المشار إليه بقوله تعالى وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [التوبة: ١٠٧] .