طريق العريض حين يهبط من الحرة، وكانت بزهرة جماع من اليهود وكانت من أعظم قرى المدينة، وقد بادوا، ومنها ناس كانوا بالجوانية- بفتح الجيم وتشديد الواو والياء المثناة من تحت: موضع بقرب أحد في شمالي المدينة كما سيأتي- ولهم أطمان صارا لبني حارثة بن الحارث وهما صرار والريان، ولذلك يقول نهيك بن سياف:
لعل صرارا أن تعيش بياره ... ويسمع بالريان تبنى مشاربه
وكانت بنو الحذماء المتقدم ذكرهم- وهم حي من اليمين- ما بين مقبرة بني عبد الأشهل وبين قصر ابن عراك، ثم انتقلوا إلى راتج، ومنها بنو عكوة في يماني بني حارثة، ومنها بنو مرابة في شامي بني حارثة، ولهم الأطم الذي يقال له الشبعان في ثمغ صدقة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومنها ناس براتج، وهو أطم سميت به الناحية، وهو الذي يقول له قيس بن الخطيم:
ألا إن بين الشرعبيّ وراتج ... ضرابا كتخديم السبال المعضد
ومنها ناس بالشوط والعنابس والوالج وزبالة إلى عين فاطمة حيث كان يطبخ الآجر لمسجد الرسول صلّى الله عليه وسلّم وكان لأهل الشوط الأطم الذي يقال له الشرعبي، وهو الأطم الذي دون ذباب، وقد صار لبني جشم بن الحارث بن الخزرج أي الأصغر يعني إخوة بني عبد الأشهل، وكان لأهل الوالج أطم بطرفه مما يلي قناة، وكان لبعض من هناك من اليهود الأطمان اللذان يقال لهما الشيخان بمفضاهما المسجد الذي صلّى فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين سار إلى أحد، وكان لأهل زبالة الأطمان عند كومة أبي الحمراء الرابض والذي دونهما، ومنها أهل يثرب، وكانوا جماعا من اليهود بها وقد بادوا فلم يبق منهم أحد.
قلت: ونقل رزين عن الشرقي أن يهود كانوا نيفا وعشرين قبيلة، وقال ابن النجار:
إن آطامهم كانت تسعة خمسين أطما، وللعرب النازلين عليهم قبل الأنصار ثلاثة عشر أطما، وقد ذكر ابن زبالة أسماء كثير منها حذفناه لعدم معرفته في زماننا.
فهذا علم من سكن المدينة بعد الطوفان إلى قدوم الأوس والخزرج.
[الفصل الثاني في سبب سكنى الأنصار بها]
[قصة مأرب وسيل العرم غسان]
نقل ابن زبالة وغيره أن اليهود لم تزل هي الغالبة بالمدينة، الظاهرة عليها، حتى كان من أمر سيل العرم ما كان وما قص الله من قصته في مائه يعني قصة أهل مأرب، ومأرب مهموز: أرض سبأ المعنية بقوله تعالى: بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ [سبأ: ١٥] عن ابن عباس أنها كانت أخصب البلاد وأطيبها، تخرج المرأة وعلى رأسها المكتل فتعمل بيديها أي بمغزلها وتسير