وقدمت الخيزران أم موسى في سنة سبعين ومائة، فأمرت بالمسجد فخلّق وولي ذلك من تخليقه مؤنسة جاريتها، فقام إليها إبراهيم بن الفضل بن عبد الله مولى هشام بن إسماعيل فقال: هل لكم أن تسبقوا من بعدكم وأن تفعلوا ما لم يفعل من كان قبلكم؟ قالت له مؤنسة: وما ذلك؟ قال: تخلقون القبر كله، ففعلوا، وإنما كان يخلق منه ثلثاه أو أقل، وأشار عليهم فزادوا في خلوق أسطوان التوبة والأسطوان التي هي علم عند مصلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فخلقوهما حتى بلغوا بهما أسفلهما، وزادوا في الخلوق في أعلاهما.
وروى بعضهم عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ [البقرة: ١٢٥] الآية، قال: طهرا بيتي نظفاه وبخراه وخلقاه.
[تجمير المساجد]
وروى يحيى من طريق ابن زبالة وغيره عن علي بن حسن بن حسن بن حسن- وكان من خيار الناس- أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمر بإجمار المسجد، قال: ولا أعلمه إلا قال: يوم الجمعة.
وروى ابن ماجه عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: جنّبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسلّ سيوفكم، واتخذوا على أبوابها المطاهر، وجمّروها في الجمع.
وروى أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب.
وروى يحيى من طريق محمد بن يحيى عن محمد بن إسماعيل عن أبيه أنه قدم على عمر بن الخطاب بسفط من عود، فلم يسع الناس، فقال عمر: أجمروا به المسجد لينتفع به المسلمون، فبقيت سنة في الخلفاء إلى اليوم، يؤتى كل عام بسفط من عود يجمر به المسجد ليلة الجمعة ويوم الجمعة عند المنبر من خلفه إذا كان الإمام يخطب.
وعن سعد القرظ قال: قدم على عمر بعود، فقسمه بين المهاجرين، ثم قسم للمسجد حظا، فكان يجمره في الجمع، فجرى ذلك إلى اليوم، وولاه سعد القرظ؛ فكان الذي يجمر.
وقد تقدم من رواية يحيى أيضا في الكلام على حكم قناديل الحجرة أن عمر أتى بمجمرة من فضة، وأنه دفعها إلى سعد جد المؤذنين وقال: أجمر بها في الجمعة وشهر رمضان، وكان سعد يجمر بها في الجمعة، وكانت توضع بين يدي عمر بن الخطاب.
وروى ابن زبالة عن نعيم المجمر عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال له:
تحسن تطوف على الناس بالمجمرة تجمرهم؟ فقال: نعم، فكان عمر يجمرهم يوم الجمعة.