وروي أيضا برجال ثقات عن جابر عن عبد قال: أتانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مسجدنا هذا وفي يده عرجون ابن طاب، فرأى في قبلة مسجدنا نخامة فحكها بالعرجون، ثم أقبل علينا فقال: أيكم يحب أن يعرض الله عنه؟ قلنا: لا أينا يا رسول الله، قال: فإن أحدكم إذا قام يصلي فإن الله قبل وجهه فلا يبصق قبل وجهه ولا عن يمينه، وليبصق قبل يساره تحت رجله اليسرى، فإن عجلت به بادرة فليقل هكذا بثوبه، ثم طوى بعضه على بعض، أروني عبيرا، فقام فتى من الحي يشتد إلى أهله فجاء بخلوق في راحته، فأخذه النبي صلّى الله عليه وسلّم على رأس العرجون ثم لطخ به على أثر النخامة، قال جابر رضي الله عنه: فمن هنالك جعلتم الخلوق في مساجدكم.
وقد رواه أبو داود بنحوه وجابر هو من بني حرام بطن من بني سلمة، ومسجدهم كان بمنازلهم التي في غربي بطحان ومساجد الفتح، وليس هو مسجد القبلتين كما وقع للمطري وجماعة حتى جعلوا أمر الخلوق له لما سنبينه.
وسيأتي ما رواه ابن زبالة من حديث جابر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم صلّى في مسجد بني حرام بالقاع، وأنه رأى في قبلته نخامة، وكان لا يفارقه عرجون ابن طاب يتخصر به، وذكر الحديث الآتي، وفيه «فكان أول مسجد خلّق» .
وروى أبو داود وابن حبان في صحيحه عن أبي سهلة السائب بن خلاد من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم أن رجلا أمّ قوما فبصق في القبلة ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينظر، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين فرغ: لا يصلى لكم، فأراد بعد ذلك أن يصلي لهم فمنعوه وأخبروه بقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال: نعم، وحسبت أنه قال: إنك آذيت الله ورسوله.
وفي رواية أوردها المجد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما رأى النخامة في المحراب قال: من إمام هذا المسجد؟ قالوا: فلان، قال: قد عزلته، فقالت امرأته: لم عزلك النبي صلّى الله عليه وسلّم من الإمامة؟
فقال: رأى نخامة في المحراب، فعمدت إلى خلوق طيب فخلقت به المحراب، فاجتاز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: من فعل هذا؟ فقالوا: امرأة الإمام، قال: وهبت ذنبه لامرأته ورددته إلى إمامته.
قلت: واختلاف هذه الروايات صريح في أنها وقائع متعددة؛ فلا تعارض فيها، نعم هي متضمنة للرد على ما رواه ابن شبة عن جابر بن عبد الله قال: كان أول من خلق المسجد ورزق المؤذنين عثمان رضي الله عنه، وتقدم في الفصل الرابع من رواية يحيى عن جابر بنحوه، إلا أن يحمل على أن المراد أنه اتخذ له الخلوق من بيت المال.
ونقل ابن زبالة عن ابن عجلان أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامله على المدينة أن لا يخلق إلا القبلة، وأن يغسل الأساطين، قال: فلم تكن الأساطين تخلّق في سلطانه.