الربعي من ولد ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب من ناحية موضع الجنائز، فأمر به فبنى، وتعلم مقام جبريل عليه السلام بحجر ونقش فيه خاتم سليمان ومشق لأن يعرف به مقام جبريل، ومقام جبريل يمناه داخل في المسجد، فبلغ ذلك مالك بن أنس، فتكلم فيه وأنكره وعابه، فغير وجعل مكانه حجر طويل مصمت لا علم فيه مخالف لحجارة المسجد، انتهى؛ فيحتمل أن يريد بقوله «ومقام جبريل يمناه داخل المسجد» الموضع المتقدم ذكره من الحجرة الشريفة، ويحتمل أن يريد أن الباب قد قدم عن محله الأول في محاذاته، فصار مقام جبريل داخل المسجد في محاذاة ذلك، ويرجح هذا أن الظاهر أن الأصل في مقام جبريل ما قدمناه في غزة بني قريظة من رواية صاحب الاكتفاء أن جبريل عليه السلام أتى في ذلك اليوم على فرس عليه اللأمة حتى وقف بباب المسجد عند موضع الجنائز، وإن على وجه جبريل لأثر الغبار، اه؛ فلذلك سمي الباب المذكور بباب جبريل؛ إذ لم يكن حينئذ للمسجد باب في ناحية الجنائز غيره.
وفي رواية البيهقي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم عندنا، فسلم علينا رجل ونحن في البيت، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فزعا، فقمت في أثره، فإذا بدحية الكلبي، فقال: هذا جبريل عليه السلام يأمرني أن أذهب إلى بني قريظة، والله أعلم.
[كسوة الحجرة النبوية]
وأما كسوة الحجرة الشريفة فقد ذكر ابن النجار ما قدمناه في تأزير الحجرة الشريفة بالرخام وعمل الجواد الأصبهاني في الشباك المتخذ من خشب الصندل المتقدم وصفه على جدارها، ثم قال: ولم تزل الحجرة الشريفة على ذلك حتى عمل لها الحسين بن أبي الهيجاء صهر الصالح وزير الملوك المصريين ستارة من الديبقي الأبيض، وعليها الطروز والجامات المرقومة بالإبريسم الأصفر والأحمر، ونيطها وأدار عليها زنارا من الحرير الأحمر، والزنار مكتوب عليه سورة (يس) بأسرها، وقيل: إنه غرم على هذه الستارة مبلغا عظيما من المال، وأراد تعليقها على الحجرة، فمنعه قاسم بن مهنى أمير المدينة وقال: حتى تتأذن الإمام المستضيء بأمر الله.
فبعث إلى العراق يستأذن في تعليقها، فجاءه الإذن في ذلك، فعلقها نحو العامين، ثم جاءت من الخليفة ستارة من الإبريسم البنفسجي عليها الطرز والجامات البيض المرقومة وعلى دوران جاماتها مكتوب بالرقم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعلى طرازها اسم الإمام المستضيء بأمر الله، فشيلت تلك ونفذت إلى مشهد علي بن أبي طالب بالكوفة، وعلقت هذه عوضها، فلما ولي الإمام الناصر لدين الله نفذ ستارة أخرى من الإبريسم الأسود، وطرزها وجاماتها من الإبريسم الأبيض، فعلقت فوق تلك، فلما حجت الجهة أم الخليفة