وعادت إلى العراق عملت ستارة من الإبريسم الأسود أيضا على شكل المذكورة ونفذتها فعلقت على هذه، ففي يومنا هذا على الحجرة ثلاث ستائر بعضهن على بعض، انتهى.
وهو يقتضي أن ابن أبي الهيجاء أول من كسا الحجرة في خلافة المستضيء بأمر الله، وكانت خلافته في سنة ست وستين وخمسمائة، ومات سنة خمس وسبعين وخمسمائة، وفي كلام رزين ما يقتضي مخالفته؛ فإنه قال في ضمن كلام نقله عن محمد بن إسماعيل ما لفظه:
فلما كانت ولاية هارون أمير المؤمنين وقدمت معه الخيزران أمرت بتخليق مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتخليق القبر وكسته الزنانير وشبائك الحرير، انتهى.
وقد رأيت في العتبية ما يصلح أن يكون مستندا في أصل الكسوة، فإنه قال في أوائلها: قيل لمالك: قلت إنه ينبغي أن ينظر في قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم كيف يكسون سقفه، فقيل:
يجعل عليه خيش، فقال: وما يعجبني الخيش، وإنه ينبغي أن ينظر فيه، انتهى.
قال ابن رشد في بيانه: كره مالك كشف سقف قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ورأى من صونه أن يكون مغطّى، ولم ير أن يكتفي من ذلك بالخيش، وكأنه ذهب إلى أن يغطي بتغطية البيوت المسكونة، ولقد أخبرني من أثق به أنه لا سقف له اليوم تحت سقف المسجد، انتهى.
وقد يضم إلى ذلك أنه إنما جاز كسوة الكعبة لما فيه من التعظيم، ونحن مأمورون بتعظيم النبي صلّى الله عليه وسلّم، وتعظيم قبره من تعظيمه، وهذا أولى بالجواز مما سيأتي عن السبكي في مسألة القناديل من الذهب حيث سلك بها هذا المسلك، وليس في كلام ابن زبالة ويحيى تعرض لأمر كسوة الحجرة، ولعله لأنها إنما حدثت بعدهما، مع أن ابن زبالة ذكر ما قدمناه في كسوة المنبر الشريف وجعل الستور على الأبواب، ونقل أن كسوة الكعبة كان يؤتى بها المدينة قبل أن تصل إلى مكة، فتنشر في مؤخر المسجد، ثم يخرج بها إلى مكة، ولم يذكر للحجرة كسوة.
ثم ذكر تخليق الحجرة والمسجد فقال: وقدمت الخيزران أم موسى أمير المؤمنين المدينة في سنة سبعين ومائة، فأمرت بمسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم فخلّق، وولي ذلك من تخليقه مؤنسة جاريتها، فقام إليها إبراهيم بن الفضل بن عبيد الله بن سليمان مولى هشام بن إسماعيل فقال: هل لكم أن تسبقوا من بعدكم وأن تفعلوا ما لم يفعل من كان قبلكم؟ قالت له مؤنسة: وما ذلك؟ قال: تخلّقون القبر كله، ففعلوا، وإنما كان يخلق منه ثلثاه أو أقل، وأشار عليهم فزادوا في خلوق أسطوان التوبة والأسطوان التي هي علم عند مصلّى النبي صلّى الله عليه وسلّم فخلقوهما حتى بلغوا بهما أسفلهما، وزادوا في الخلوق في أعلاهما، انتهى ولو كان لكسوة الحجرة وجود في زمانه لتعرض له.
واعلم أن في عشر الستين وسبعمائة في دولة السلطان الصالح إسماعيل بن الملك