لئلا يفتن بها الناس، كما أزيلت الجزعة التي كانت في المحراب القبلي، وذكر قصة الجزعة التي قدمناها.
وقال المجد: إن الخشبة المذكورة كان يزدحم على زيارتها والتمسح بها، ويعتقد الناس عامة أنها الجذع، فظن بعض الفقهاء أن هذا من المنكر الذي يتعين إزالته، وصرح بهذا في كتبه، إلى أن وافق على ذلك شيخنا العز بن جماعة فأمر بإزالتها، إلى آخر ما قدمناه عنه.
قال: وكان موضع الخشبة من الأسطوان المذكور على مقدار ذراعين من الأرض ارتفاعا، وقد طلي عليه بالقصة، ولا عين منه ولا أثر.
قلت: الذي يظهر- كما قدمته- أن هذه الخشبة كانت من العود الذي كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يضع يده عليه ويقول: عدلوا صفوفكم، كما تقدم، والله أعلم.
[عود إلى الاختلاف في صانع المنبر]
ونقل ابن زبالة الاختلاف في الذي عمل المنبر، فقيل: غلام نصيبة المخزومي، وقيل:
غلام للعباس، وقيل: غلام لسعيد بن العاص يقال له باقول (بموحدة وقاف مضمومة) وقيل: غلام لامرأة من الأنصار من بني ساعدة، أو لامرأة لرجل منهم يقال له مينا، وقوله «يقال له مينا» يحتمل المولى وزوج المرأة، لكن عند يحيى قال إسماعيل بن عبد الله: الذي عمل المنبر غلام الأنصارية واسمه مينا، وعند ابن بشكوال عن أبي بن أويس: عمل المنبر غلام لامرأة من الأنصار من بني سلمة أو بني ساعدة أو امرأة لرجل منهم يقال له مينا، وهذا محتمل كالأول، وقيل: عمله تميم الداري، هذا حاصل ما ذكره ابن زبالة، وفي رواية ليحيى: عمل المنبر صباح غلام العباس (بضم المهملة بعدها موحدة خفيفة) وتقدم تسميته كلابا، ونقل المراغي عن بعض شيوخه أن الذي عمله باقوم (بالميم) باني الكعبة لقريش، وفي الاستيعاب عن باقوم الرومي قال: صنعت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم منبرا من طرفاء له ثلاث درجات: المقعدة، ودرجتيه، قال ابن عبد البر: وإسناده ليس بالقائم.
وفي طبقات ابن سعد أن الصحابة قالوا: يا رسول الله إن الناس قد كثروا، فلو اتخذت شيئا تقوم عليه إذا خطبت، قال صلّى الله عليه وسلّم: ما شئتم، قال سهل رضي الله عنه: ولم يكن بالمدينة إلا نجار واحد، فذهبت أنا وذاك النجار إلى الغابة فقطعنا هذا المنبر من أثلة، وفي لفظ: فحمل سهل منهن خشبة، قال المجد: إسنادهما صحيح، وعند قاسم بن أصبغ: وكان بالمدينة نجار واحد يقال له ميمون، فذكر الحديث، وعند الطبراني عن سهل: كنت جالسا مع خال لي من الأنصار، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: اخرج إلى الغابة وأتني من خشبها فاعمل لي