قلت: وأسلم عبد الله بن سلام في أول قدومه صلّى الله عليه وسلّم؛ ففي البخاري من حديث عائشة التصريح بأنه جاء قبل دخوله صلّى الله عليه وسلّم دار أبي أيوب لما سمع بقدومه صلّى الله عليه وسلّم ثم رجع إلى أهله، ثم قال صلّى الله عليه وسلّم لأبي أيوب: اذهب فهيئ لنا مقيلا، فقال: قوما على بركة الله، أي هو وأبو بكر، قالت: فلما جاء نبي الله صلّى الله عليه وسلّم جاء عبد الله بن سلام فقال: أشهد أنك رسول الله وأنك قد جئت بحق، وقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم، فسلهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت؛ فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا فيّ ما ليس فيّ، فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخلوا عليه، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا معشر اليهود، ويلكم! اتقوا الله، فوالذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا، وأني جئتكم بحق، فأسلموا، قالوا: ما نعلمه، قال: فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام؟ قالوا: ذاك سيدنا وابن سيدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا، قال: أفرأيتم إن أسلم، قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم، قال: أفرأيتم إن أسلم، قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم، كرر عليهم ذلك ثلاثا فيقولون له ذلك، قال: يا ابن سلام اخرج عليهم، فخرج عليهم، فقال: يا معشر اليهود، اتقوا الله فوالذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنه جاء بحق، فقالوا:
كذبت، فأخرجهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وفي رواية أن عبد الله بن سلام سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أشياء، فلما أعلمه بها أسلم، وفي هذه الرواية ذكر قصة اليهود المتقدمة، وأن عبد الله بن سلام لما خرج إليهم وتشهد قالوا: شرنا وابن شرنا، وتنقصوه؛ فقال: هذا كنت أخاف يا رسول الله، ونصبت أحبار اليهود العداوة للنبي صلّى الله عليه وسلّم بغيا وحسدا: منهم حيي بن أخطب، وأبو رافع الأعور، وكعب بن الأشرف، وعبد الله بن صوريا، والزبير بن باطا، وشمويل، ولبيد بن الأعصم، وغيرهم، ودخل منهم جماعة في الإسلام نفاقا، وانضاف إليهم من الأوس والخزرج منافقون، وأرى عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه الأذان، وقيل: كان ذلك في السنة الثانية عندما شاور صلّى الله عليه وسلّم أصحابه فيما يجمعهم به للصلاة؛ إذ كان اجتماعهم قبل بمناد «الصلاة جامعة» والله أعلم.
[السنة الثانية من الهجرة]
السنة الثانية: فلما جاء العاشر من المحرم أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بصومه، وقال:«نحن أحق بموسى من اليهود» ثم زوج عليا بفاطمة.
قلت: وذلك قبل بدر، في رجب على الأصح، وبنى بها في ذي الحجة كما سيأتي، وكان لها خمس عشرة سنة، وقل: ثمان عشرة، وقيل: تزوجها بعد أحد، والله أعلم.
ثم غزا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بنفسه إلى الأبواء وهي من ودان على ستة أميال مما يلي المدينة.