وقد روى ابن سعد في مرسل يزيد بن عبد الله بن قسيط: كان أهل الصفة ناسا فقراء لا منازل لهم، فكانوا ينامون في المسجد لا مأوى لهم غيره.
وروى البيهقي عن عثمان بن اليمان قال: لما كثرت المهاجرون بالمدينة ولم يكن لهم دار ولا مأوى أنزلهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسجد، وسماهم أصحاب الصفة، فكان يجالسهم ويأنس بهم.
وأسند يحيى عن فضالة بن عبيد قال: كنا نصلي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيخر قوم من قامتهم من الخصاصة «١» ، حتى يقول الأعرابي: مجانين، وهم أهل الصفة، فإذا صلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتاهم فوقف عليهم، فقال: لو تعلمون ما لكم عند الله لأحببتم أن تزدادوا فقرا وحاجة.
وفي صحيح البخاري عن عبد الرحمن بن أبي بكر أن أصحاب الصفة كانوا ناسا فقراء، وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال مرة: من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس- الحديث.
وفيه من حديث أبي هريرة قال: لقد رأيت سبعين من أهل الصفة ما منهم رجل عليه رداء إما إزار وإما كساء قد ربطوه، فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته.
وفيه من حديث أبي هريرة أيضا أنه كان يقول: والله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوما في طريقهم الذي يخرجون منه، فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا يستتبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر بي أبو القاسم صلّى الله عليه وسلّم فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال: أباهر، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: الحق، فمضى فتبعته، فدخل فاستأذن، فأذن لي، فدخلت فوجدنا لبنا في قدح، فقال: من أين هذا اللبن؟
فقالوا: أهداه لك فلان أو فلانة، قال: أباهر، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي، وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم، ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة؟ كنت أحق أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوّى بها، فلما جاؤوا أمرني فكنت أنا أعطيهم، وما