وقد كانت مياه الأمطار تتسرّب من بين تلك الألواح وتصل إلى سقف الحجرة الشريفة، فإن آثار المياه قد وجدت هناك، وأثّرت في الشباك الذي بأعلى حائز عمر بن عبد العزيز بحيث تأكل بعضه، فأصلحه متولي العمارة أيضا، وأثّرت الأمطار أيضا في الستارة التي على سقف الحجرة الشريفة بحيث تأكل بعضها، ثم احترق ذلك كله في حريق المسجد الثاني، فاقتضى رأيهم تأسيس القبة البيضاء الموجودة اليوم على دعائم بأرض المسجد وعقود من الآجر، وجعلوا تلك الدعائم في موازاة الأساطين التي كان بينها درابزين المقصورة الآتي وصفها، وزادوا من جهة الشام دعائم بعضها عند المثلث الذي بالحجرة الشريفة من بناء عمر بن عبد العزيز، وزادوا هناك أسطوانا، وعند التأسيس لذلك وجدوا عند صفحة المثلث الشرقية قبرا بدا لحده وبعض عظامه، وإن صح القول بدفن فاطمة رضي الله عنها في بيتها كما ستأتي الإشارة إليه فهو قبرها، وأبدلوا بعض الأساطين بدعائم، وأضافوا إلى بعضها أسطوانة أخرى، وقرنوا بينهما ليتأتى لهم العقد عليها، وحصل فيما بين جدار المسجد الشرقي وبين تلك الدعائم ضيق لاتحاد بعض تلك الدعائم هناك، فخرجوا بجدار المسجد الشرقي في البلاط الذي يلي الجدار المذكور نحو ذراع ونصف، فإنهم هدموا ذلك الجدار، وأعادوه إلى باب جبريل عليه السلام، ولم ينقلوا باب جبريل عن محله.
ثم إن القبة المذكورة تشققت من أعاليها ولم ينفع الترميم فيها، ففوّض السلطان للشجاعي شاهين الجمالي النظر في أمرها وأمر المنارة الرئيسية أيضا عند توليته شيخ الحرم الشريف، فاقتضى رأيه بعد مراجعة أهل الخبرة هدم أعالي المنارة المذكورة واختصار قليل منها، فاتخذ أخشابا في طاقاتها وجعل عليها سقفا يمنع ما يسقط عند الهدم للحجرة الشريفة، ثم هدم أعاليها وأعاد بناءها أحكم من البناء الأول، بحيث حمل لها الجبس الأبيض من مصر وجعله في بنائها، فجاءت محسنة محكمة، وأزيل ذلك السقف عند تمامها، وذلك في عام اثنتين وتسعين وثمانمائة.
[المقصورة الدائرة على الحجرة]
وأما المقصورة الدائرة على الحجرة الشريفة بين الأساطين حول جدار الحجرة الظاهر وحول بيت فاطمة رضي الله عنها فقد أحدثها السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس، وذلك أنه لما حج سنة سبع وستين وستمائة أراد أن يجعل على الحجرة الشريفة درابزينا من خشب- وهو المقصورة المذكورة- فقاس ما حول الحجرة الشريفة بيده وقدره بحبال وحملها معه، وعمل الدرابزين، وأرسله في سنة ثمان وستين، وأداره عليها، وعمل له ثلاثة أبواب قبليا وشرقيا وغربيا، ونصبه بين الأساطين التي تلي الحجرة إلا من ناحية الشام فإنه زاد فيه إلى متهجّد النبي صلّى الله عليه وسلّم.