ثم زيد لهذه المقصورة باب رابع أحدث عند زيادة الرواقين المتقدم ذكرهما في سنة تسع وعشرين وسبعمائة، وهو من جهة الشمال في رحبة المسجد، وكان عليه قبل الحريق الأول سقف مرتفع يحيط به رفرف، ثم أحدث هذا الباب، وأمامه من جهة رحبة المسجد سقف لطيف أيضا نحو ستة أذرع دوين السقف المتقدم وجعل له رفرف أيضا يمنع الشمس، وبسط تحته الرخام الملون شبه الرخام الذي تقدم ذكره حول حائز عمر بن عبد العزيز بالأرض داخل هذه المقصورة، وذلك في دولة الظاهر جقمق سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة.
قال الزين المراغي: واعلم أن الذي عمله الملك الظاهر- أي ركن الدين- من الدرابزين نحو القامتين، فلما كان في سنة أربع وتسعين وستمائة زاد عليه الملك العادل زين الدين كتبغا شباكا دائرا عليه، ورفعه حتى وصله سقف المسجد، انتهى.
وقد جدد متولي العمارة المتقدم ذكره بعض هذه المقصورة أيضا مما يلي الروضة الشريفة في العمارة الأولى، ثم احترقت في الحريق الثاني، فجعلوا بدلها شبابيك من النحاس في جهة القبلة، وعلى أعلاها شبكة من شريط النحاس كالزرد، بين أخشاب متصلة بالعقود المحيطة بالحجرة الشريفة، وجعلوا لبقيتها من جهة الشام وما اتصل بها من المشرق والمغرب مشبكا من الحديد المشاجر، وبأعلاه شريط النحاس أيضا، وأحدثوا مشبكا من الحديد المشاجر أيضا لم يكن قبل ذلك، جعلوه فاصلا بين الرحبة التي خلف مثلث الحجرة الشريفة وبينها، وبها بعض المثلث المذكور، وبه بابان أحدهما عن يمين المثلث، والآخر عن يساره، وصار هذا المشبك متوسطا بين مشبك الحجرة الشامي وما يقابله. وقد صارت هذه المقصورة تعرف بالحجرة الشريفة، وأبوابها بأبواب الحجرة، وما يعلق بسقفها بقناديل الحجرة كما تقدم في عبارة السبكي.
وفي كلام البدر ابن فرحون ما يقتضي أنه كان ثمّ مقصورة متصلة بهذه المقصورة من جهة المغرب، ثم أزيلت، ولفظه: وقد تساهل من كان قبلنا فزادوا على الحجرة الشريفة مقصورة كبيرة عملت وقاية من الشمس إذا غربت، وكانت بدعة وضلالة تصلي فيها الشيعة؛ لأنها قطعت الصفوف، واتّسمت بمن ذكر من الصنوف، وندم على ذلك واضعها، ولقد كنت أسمع بعضهم يقف على بابها ويؤذن بأعلى صوته «حي على خير العمل» وكانت مواطن تدريسهم، وخلوة علمائهم حتى قيّض الله لها من سعى فيها فأصبحت ليلة منخلعة أبوابها، مقوسة أخشابها، متصلة صفوفها، وأدخل بعضها في الحجرة الشريفة- يعني ما اشتمل عليه الدرابزين المذكور- وجعل فيها الباب الشامي، وكان ذلك مع زيادة الرواقين اللذين زادهما الملك الناصر، انتهى.
وذكر لي بعض مشايخ المدينة نقلا عمن أدركه من المشايخ أن هذه المقصورة كانت في