شامي أسطوان الوفود إلى جهة باب الحجرة الشامي، والشيعة اليوم يصلون في ذلك الموضع، ومقتضى ما قدمناه عن ابن النجار في بيت فاطمة رضي الله عنها- حيث قال:
وبيتها اليوم حوله مقصورة، وفيه محراب، وهو خلف حجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم- وجود مقصورة هناك قبل حريق المسجد، فلعل ذلك مستند الظاهر ركن الدين في إحداث ذلك.
وقد ذكر المطري ما صنعه الظاهر من هذه المقصورة، ثم قال: وظن الملك الظاهر أن ما فعله تعظيما للحجرة الشريفة، فحجر طائفة من الروضة المقدسة مما يلي بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم، ومنع الصلاة فيها، مع ما ثبت من فضلها وفضل الصلاة فيها، فلو عكس ما حجره وجعله خلف بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم من الناحية الشرقية وألصق الدرابزين بالحجرة مما يلي الروضة لكان أخفّ؛ إذ الناحية الشرقية ليست من الروضة ولا من المسجد المشار إليه، بل مما زيد في المسجد أيام الوليد، قال: ولم يبلغني أن أحدا من أهل العلم والصلاح ممن حضر ولا ممن رآه بعد تحجيره أنكر ذلك، أو تفطن له وألقى له بالا، وهذا من أهم ما ينظر فيه.
قال الزين المراغي عقبه: ينبغي أن يعلم أن للظاهر سلفا في ذلك، وهو ما حجره عمر بن عبد العزيز على الحجرة الشريفة من جهة الروضة أيضا، لكنه قليل، انتهى.
قلت: وهذا بناء على ما تقرر عنده من أن جدار الحجرة الذي داخل الحائز هو نهاية المسجد في زمنه صلّى الله عليه وسلّم، وقد قدمنا في حدود المسجد ما يرد ذلك، ولو سلّم أن ذلك نهاية المسجد وأن عمر بن عبد العزيز اتخذ الجدار المذكور فيه فذلك لمصلحة حفظ القبر الشريف، ولجعل بنائه على هيئة لا يتأتى معها استقبال القبر الشريف كما قدمناه، وهذه المقصورة بضد ذلك، والله أعلم.
وقال البدر بن فرحون في ترجمة ولي الله سيدي الشيخ علي الواسطي ما لفظه: حكى لي جمال الدين- يعني المطري- أن الشيخ بعث إلى الملك الناصر يقول له: أنا أضمن لك على الله تعالى قضاء ثلاث حوائج إن قضيت لي حاجة واحدة، وهي إزالة هذا الشباك الذي على الحجرة الشريفة، يعني هذه المقصورة، فبلغه ذلك، فتوقف ولم يفعل.
قال البدر بن فرحون: وليته فعل؛ فإن الشباك الذي يدور على الحجرة قطع جانبا من المسجد، وحجر كثيرا من الروضة، وفي كل زمان يجدد ويعمر بما يتقوى به ويتأيد، وأدخل فيه قطعة كبيرة لما أزيلت المقصورة، يعني المتقدم ذكر إزالتها.
وقال المجد الشيرازي، عقب ذكره لما تقدم عن المطري: والذي ذكره موجّه، غير أن أحد الأبواب مفتوح دائما لمن قصد الدخول والزيارة، فيمكن من أراد الصلاة الدخول والوقوف مع الصف الأول في الروضة، ولا يخفى أن في تقريب الدرابزين من الحجرة إخراجا للبناء عن وضعه اللائق، وأيضا فيه تضييق عظيم على الزائرين، لا سيما عند زحام