الأسطوان المذكور محاذ لطرف جدارها القبلي. وقال ابن جماعة: قد تحرر لي طول الروضة، ولم يتحرر لي عرضها، يريد أن طولها من المنبر إلى الحجرة، وهو كما قال ابن زبالة ثلاثة وخمسون ذراعا وشبرا، وقال في موضع آخر: أربعة وخمسون ذراعا وسدس.
قلت: وما ذكره أولا أقرب إلى الصواب كما اختبرناه، فإني ذرعت بحبل من صفحة المنبر القبلية إلى طرف الحجرة القبلية فكان ثلاثة وخمسين ذراعا.
وذكر ابن جماعة ذراعا أقل من هذا، وكأنه ذرع على الاستقامة، ولم يعتبر الذرع من الطرفين المذكورين، فقال: وذرعت ما بين الجدار الذي حول الحجرة الشريفة وبين المنبر فكان أربعا وثلاثين ذراعا وقيراطا بذراع العمل. قلت: وذلك نحو اثنين وخمسين ذراعا بذراع اليد الذي قدمنا تحريره، وأما قول من قال:«إن طول الروضة اليوم ينقص عن خمسين ذراعا بثلثي ذراع» فلا وجه له إلا أن يكون اعتبر بذراع اليد المفرط الطول، والله أعلم.
وأما نهاية الحجرة فلم تكن معلومة لابن جماعة وغيره، وعليها يتوقف بيان العرض، ولهذا قال الريمي: لا ندري الحجرة في وسط البناء المحيط بها أم لا؟ ولا ندري إلى أين ينتهي امتدادها؟ وغالب الناس يعتقدون أن نهايتها في محاذاة أسطوان علي رضي الله عنه، ولهذا جعلوا الدرابزين الذي بين الأساطين ينتهي إلى صفها، واتخذوا الفرش لذلك فقط، والصواب ما قدمناه؛ فقد انجلى الأمر ولله الحمد.
[الفصل السابع في الأساطين المنيفة الأسطوان المخلق]
منها الأسطوان الذي هو علم على المصلى الشريف، ويعرف بالمخلق، وقد قدمنا قول ابن زبالة «المخلق نحو من ثلثيها» وقول ابن القاسم «إن المصلى الشريف حيث الأسطوان المخلق» وبينا أن المراد أنها أقرب أسطوان إليه، وأن الجذع الذي كان يخطب إليه صلّى الله عليه وسلّم ويتكئ عليه كان هناك، وأن الأسطوان الموجود اليوم متقدم على المحل الأول، وأن المحل الأصلي هو موضع كرسي الشمعة التي عن يمين الإمام الواقف في المصلى الشريف، فمن أراد التبرك بذلك فليصل هناك.
وروى ابن زبالة عن يزيد بن عبيد أنه كان يأتي مع سلمة بن الأكوع إلى سبحة الضحى، فيعمد إلى الأسطوان دون المصحف فيصلي قريبا منهما، فأقول: ألا تصلي هاهنا؟
وأشير له إلى بعض نواحي المسجد، فيقول: إني رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتحرى هذا المقام، وهذا الحديث في الصحيحين، ولفظ البخاري «كنت آتي مع سلمة بن الأكوع، فيصلي عند الأسطوان التي عند المصحف، فقلت: يا أبا سلمة أراك تتحرى الصلاة عند هذه