الأزرقي في نفائسه عن ابن عبد السلام أنه قال: الذي تبين لي طلاق الجميع وعتق الجميع، وفي كتب الحنابلة نص أحمد على أنه لو قال من له زوجتان أو عبيد «زوجتي طالق، أو عبدي حر» ولم ينو معيّنا، وقع الطلاق والعتق على الجميع، تمسكا بالقاعدة المذكورة، فقد جرى ابن عبد السلام والحنابلة على مقتضى ذلك؛ فهذه الطرق من أحسن الأدلة، ولكن على شمول الروضة لما بين المنبر والبيوت الشريفة فهو رأي آخر، وقد قدمنا من الحديث ما يصرح به، ويؤيده ما أشار إليه الريمي من أن المقتضى لكون ذلك روضة كثرة تردده صلّى الله عليه وسلّم فيه، وكان يصلي قبل تحويل القبلة في طرفه الذي يلي الشام، ومتهجّده كما سيأتي في جهة المشرق إلى الشام أيضا، ومنبره الشريف في نهاية هذا الموضع المحدود من جهة المغرب، ومصلاه الشريف بمقدمه وبه الأساطين الآتية ذوات الفضل.
وأما الرأي الثاني فدليله التمسك بظاهر لفظ البينية الحقيقية، وحمل البيت على حجرة عائشة رضي الله عنها، ويضعفه أن مقدم المصلى الشريف يلزم خروجه عن اسم الروضة حينئذ؛ لخروجه عن موازاة طرفي المنبر والحجرة، مع أن الظاهر أن معظم السبب في كون ذلك روضة تشرفه بجبهته الشريفة، على أني لم أر هذا القول لأحد، وإنما أخذته من تردد الخطيب ابن حملة المتقدم.
وأما الرأي الثالث فهو ظاهر ما عليه غالب العلماء وعامة الناس، ووجهه حمل البيت على ما في الرواية الآخرى من ذكر حجرة عائشة، وجعل ما تقدم في أمر خروج مقدم المصلى الشريف دليلا على أن المراد من البينية ما حاذى واحدا من الطرفين، وأن المراد مقدم المسجد المنتهي من جهة مؤخر الحجرة الشريفة لصف أسطوان الوفود كما قدمناه، وفي كلام الأقشهري إشارة له، وهذا إنما علمناه في العمارة التي سنذكرها، ولم يكن معلوما قبل ذلك، ولهذا قال المجد في الباب الأول في فصل الزيارة من كتابه ما لفظه: ثم يأتي- يعني الزائر- إلى الروضة المقدسة، وهي ما بين القبر والمنبر طولا، ولم أر من تعرض له عرضا، والذي عليه غلبة الظنون أنه من المحراب إلى الأسطوانة التي تجاهه، وأنا لا أوافق على ذلك، وقد بينته في موضعه من هذا الكتاب، وذكرت أن الظاهر من لفظ الحديث يقتضي أن يكون أكثر من ذلك؛ لأن بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم بجميع مرافق الدار كان أكثر من هذا المقدار، انتهى.
ولم يذكر في الموضع الذي أحال عليه شيئا، وقوله «من المحراب إلى الأسطوانة التي تجاهه» كأنه يريد به الأسطوان المخلق وما حاذاها؛ فتكون الروضة على ذلك التقدير الرواق الأول منها فقط، وهو غلط؛ لأن الحجرة الشريفة متأخرة عن ذلك لجهة الشام؛ وصف