للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما أصبح الحرم الشريف محرّقا ... إلا لسبكم الصحابة فيه

قلت: وهذا لأن الاستيلاء على المسجد والمدينة كان في ذلك الزمان للشيعة وكان القاضي والخطيب منهم، حتى ذكر ابن فرحون أن أهل السنة لم يكن أحد منهم يتظاهر بقراءة كتب أهل السنة.

قال المؤرخون: ولم يسلم سوى القبة التي أحدثها الناصر لدين الله لحفظ ذخائر الحرم مثل المصحف الكريم العثماني وعدة صناديق كبار متقدمة التاريخ صنعت- يعني تلك الصناديق- بعد الثلاثمائة، وهي باقية إلى اليوم، يعني في زمانهم، وذلك لكون القبة المذكورة بوسط صحن المسجد وببركة المصحف الشريف العثماني.

وكانت عمارة القبة المذكورة- على ما ذكره ابن فرحون- سنة ست وسبعين وخمسمائة.

قالوا: وبقيت سواري المسجد قائمة كأنها جذوع النخل إذا هبت الرياح تتمايل، وذاب الرصاص من بعض الأساطين فسقطت، ووقع السقف الذي كان على أعلى الحجرة على سقف بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم فوقعا جميعا في الحجرة الشريفة وعلى القبور المقدسة. وعبارة الذهبي وتبعه التقي السبكي: فوقع بعض سقف الحجرة، وكل ذلك قبل أن ينام الناس، وأصبحوا يوم الجمعة فعزلوا موضعا للصلاة، وكتب بذلك للخليفة المستعصم بالله أبي أحمد عبد الله بن المستنصر بالله في شهر رمضان، فوصلت الآلات صحبة الصناع مع ركب العراق في الموسم، وابتدئ بالعمارة أول سنة خمس وخمسين وستمائة.

[الشروع في العمارة بعد الحريق]

قال المطري: ولما شرعوا في العمارة قصدوا إزالة ما وقع من السقوف على القبور الشريفة فلم يجسروا على ذلك، واتفق رأي صاحب المدينة يومئذ- وهو الأمير منيف بن شيحة بن هاشم بن قاسم بن مهني الحسيني- ورأى أكابر أهل الحرم الشريف من المجاورين والخدام أن يطالع الإمام المستعصم بذلك ليفعل ما يصل به أمره، فأرسلوا بذلك، وانتظروا الجواب، فلم يصل إليهم جواب لاشتغال الخليفة وأهل دولته بإزعاج التتار لهم، واستيلائهم على أعمال بغداد في تلك السنة، فتركوا الردم على ما كان عليه، ولم ينزل أحد هناك، ولم يتعرضوا له ولا حركوه.

وعبارة المجد الشيرازي: فتركوا الردم على ما كان عليه، ولم يجسر أحد على التعرض لهذه العظيمة التي دون مرامها تزل الأقدام، ولا يتأتى من كل أحد بادئ بدئه الدخول فيه والإقدام.

قلت: وقد كنت في تعجب عظيم من أهل ذلك الزمان في تركهم لذلك، وألفت كتابا سميته «الوفا، بما يجب لحضرة المصطفى» بينت فيه أن الواجب في سلوك الأدب مع هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>