النبي العظيم والقيام بما وجب على الأمة من تعظيمه وتعظيم قبره الشريف هو إزالة ذلك عنه وقمّه من حجرته الشريفة، حتى اتفقت العمارة الآتي بيانها، ولم يكن تأليفي السابق سببا في شيء من ذلك كما سيأتي بيانه، حتى إني لم أطلع عليه متولي العمارة إلا بعد هدمه لشيء من جدار الحجرة، فلما نقبوا الجدار الظاهر شاهدت بين الجدارين في الفضاء الذي خلف الحجرة أمرا مهولا من الهدم الذي خص ذلك الموضع، فإنه كما سيأتي كان فيه نحو القامة، فعلمت أن أهل ذلك الزمان لم يتركوه إلا لعلمهم بأن إزالته لا تتأتى إلا بانتهاك الحرمة، فتوقفوا في ذلك، فجزاهم الله تعالى خيرا، وما كنت أعتقد إلا أنه أمر خفيف يتأتى قمّه مع رعاية الأدب، فوجدته أمرا مهولا معظمه ردم سقف المسجد الأعلى وما بين السقفين من البناء الذي على رؤوس السواري وغير ذلك، ولذلك استخرت الله تعالى في عدم حضور ذلك عند إخراجه، ووقفت بين يدي النبي صلّى الله عليه وسلّم وسألت منه المدد في أن يوفقني الله تعالى لما يرضيه في ذلك، فحفظني الله من حضور ذلك.
وقال المطري عقب قوله ولم يتعرضوا له ولا حركوه: إنهم أعادوا سقفا فوقه على رؤوس السواري التي حول الحجرة الشريفة؛ فإن الحائط الذي بناه عمر بن عبد العزيز حول بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم بين هذه السواري التي حول بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يبلغ به السقف.
قلت: تبع المطري على ذلك من جاء بعده، فتوافقوا على أنهم لم يجعلوا للحجرة بعد الحريق سقفا؛ لأن السقف الذي على رؤوس السواري هو سقف المسجد، فاقتضى ذلك أنهم جعلوا سقف المسجد سقف الحجرة، وذكروا أنهم أداروا الشباك على رأس جدار عمر بن عبد العزيز حتى بلغوا به سقف المسجد؛ وأول شيء ابتدأوا به من سقف المسجد ما حاذى الحجرة الشريفة منه، وفيه مخالفة لما شاهدناه في العمارة الآتي بيانها، فإنهم وجدوا عليها سقفا مربعا على جدارها الداخل، ويتصل بالخارج من المشرق والمغرب، وهو دوين رأس الجدار الخارج بنحو شبر، ثم تبين عند كشفه آثار السقف المنهدم وأن أخشابه كانت في الجدار الداخل، ولم يعيدوا هذا السقف المجدد موضع الأول؛ لأنه لا يتأتى إلا بهدم سترته وإصلاح أماكن لرؤوس الخشب، فتركوا ذلك تأدبا واحتراما، ووضعوا ذلك السقف على أعلى سترة الجدار، وبنوا فوقه سترة لطيفة، وجعلوا على ذلك السقف ستارة من المحابس اليمنية المبطنة بقماش أزرق مربوطة بمقط في الشباك الذي بأعلى الحائز الظاهر، وليس ذلك السقف مطينا، وهو سقف محكم من ألواح ثخينة جدا من الساج الهندي، وسمروا بعضها إلى بعض على قوائم من خشب، وجعلوه أربع قطع كل قطعة كالباب العظيم، وجعلوا عند ملتقى كل قطعتين من تلك القطع مقصاة من حديد، وكلّبوا بعضها إلى بعض تكليبا محكما، وجعلوا تحت ثلاث جزم من الساج الهندي تحمله، وأوصلوا أطراف تلك الألواح بالجدار