الظاهر كما تقدم، ولم يجعلوا في تلك الألواح دهانا ولا نقوشا ولا كتابة، غير أن النجار الذي صنع السقف المذكور كتب اسمه على طرفه نقرا، وكذلك سقف المسجد المحاذي للحجرة الشريفة مما يلي هذا السقف جميعه من الساج النقي ليس عليه دهان ولا نقوش وفي وسطه طابق عليه قفل فوقه أنطاع ومشمع، ولم يزل موجودا إلى أن عملت القبة الثانية بعد الحريق الثاني، وجعلوا على جدار الحجرة الداخل من جهة الشام ألواحا من رأس الجدار إلى سقف المسجد.
والعجب أنهم عند رفع هذا السقف وجدوا جزمتين من الأخشاب التي تحته قد تاكلتا ولم يبق إلا جزمة واحدة، ومع ذلك كانت كافية في حمله، فجزى الله تعالى أهل ذلك الزمان خيرا، والظاهر أن ذلك فعل عند إعادة سقف المسجد الذي ذكره المطري.
ولنرجع إلى ما ذكره عقب ما تقدم عنه، قال: وسقفوا في هذه السنة- وهي سنة خمس وخمسين- الحجرة الشريفة وما حولها إلى الحائط القبلي وإلى الحائط الشرقي إلى باب جبريل عليه السلام المعروف قديما بباب عثمان، ومن جهة المغرب الروضة الشريفة جميعها إلى المنبر الشريف.
ثم دخلت سنة ست وخمسين وستمائة فكان في المحرم منها واقعة بغداد واستيلاء التتاء عليها وقتلهم الخليفة المذكور مع أهلها.
قلت: وهي من أعظم الوقائع، وقد ذكرتها في كتابي «الوفا» وأشرت إليها في الفصل الثالث من الباب الثاني عند ذكر نار الحجاز، وذكرت ما أفاده الذهبي من استيلاء الحريق على بغداد أيضا حتى تربة الخلفاء، وكانوا في العام قبله قد أشرفوا على الغرق، فسبحان الملك العظيم.
قال المطري عقب ما تقدم: فوصلت الآلات من مصر، وكان المتولي عليها حينئذ الملك المنصور نور الدين علي بن الملك المعز عز الدين أيبك الصالحي، ووصل أيضا آلات وأخشاب من صاحب اليمن يومئذ وهو الملك المظفر شمس الدين يوسف بن منصور عمر ابن علي بن رسول، فعملوا إلى باب السلام المعروف قديما بباب مروان، ثم عزل صاحب مصر المذكور- يعني في آخر سنة سبع وخمسين في ذي القعدة منها- وتولى مكانه مملوك أبيه الملك المظفر سيف الدين قطز المعزي، واسمه الحقيقي محمود بن ممدود، وأمه أخت السلطان جلال الدين خوارزم شاه، وأبوه ابن عمه أسر عند غلبة التتار، فبيع بدمشق، ثم انتقل بالبيع إلى مصر، وتملك في سنة ثمان وخمسين.
قلت: إنما ولي في يوم السبت ثامن عشر ذي القعدة من سنة سبع، وفي شهر رمضان من سنة ثمان كانت وقعت عين جالوت التي أعز الله فيها الإسلام وأهله على يديه، ولم