وضع بهذه القبة ما تجمد من مصاريف حب السماط المجدد، فاجتمع بها نحو ثلاثة عشر ألف دينار، فاتفق أن أمير المدينة حسن بن زبيري المنصوري حضر بجماعة مع الاستعداد بالأسلحة والسيوف المسلولة؛ فدخل المسجد الشريف على تلك الحالة وقت الظهر من سادس ربيع الأول عام أحد وتسعمائة، وأمر خازندار الحرم الشريف بإحضار مفاتيح الحاصل المذكور، فامتنع من ذلك، فضربه ضربا مبرحا، ثم عمد إلى باب الحاصل المذكور وأحضر فأسا وكسره وأخذ جميع ما فيه من النقد والقناديل والسبايك، فحمل منه ثلاثة أحمال على فرسين وبغل وغراير تسع على ظهور الحمالين، ثم ذهب إلى حصنه وأحضر الصياغ وسبك تلك القناديل، وذكر أنه صنع ذلك رغبة عن إمرة المدينة؛ لأن ولايته كانت بطريق النيابة عن السيد الشريف محمد بن بركات لتفويض السلطان الأشرف إليه أمر الحجاز وأن المشار إليه صار يأخذ حصته مما يحمل له من الإقطاع ومن الصدقات، وعطل عليه أهل مصر بعض إقطاعه، فحمله ذلك على ما سبق.
[حكم معاليق المسجد النبوي]
أما حكم هذه المعاليق ونحوها من تحلية الصندوق المتقدم ذكره والقائم الذي بأعلاه فحكم معاليق الكعبة الشريفة وتحليتها، وقد تكلم السبكي في حكم قناديل الكعبة وحليتها والقناديل التي حول الحجرة الشريفة، وألّف في ذلك كتابا سماه «تنزل السكينة، على قناديل المدينة» فأورد حديث البخاري وغيره في كنز الكعبة وما تضمنه من إقرار النبي صلّى الله عليه وسلّم له بمحله، ثم أبي بكر بعده، ورجوع عمر رضي الله عنه لذلك لما ذكره به ابن شبة، وقال:
هما المرآن يقتدي بهما، قال: فهذا الحديث عمدة في مال الكعبة، وهو ما يهدى إليها أو ما ينذر لها وما يوجد فيها من الأموال.
قال ابن بطال: أراد عمر إنفاقه في منافع المسلمين، ثم لما ذكر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يتعرض له أمسك، وإنما ترك ذلك والله أعلم لأن ما جعل في الكعبة وسبّل لها يجري مجرى الأوقاف؛ فلا يجوز تغييره عن وجهه، وفي ذلك تعظيم للإسلام وترهيب للعدو.
قلت: قد تعقب ذلك الحافظ ابن حجر باحتمال أن يكون النبي صلّى الله عليه وسلّم إنما تركه رعاية لقلوب قريش، كما ترك بناء الكعبة على قواعد إبراهيم، ويؤيده ما وقع عند مسلم في بعض طرق حديث عائشة رضي الله عنه ولفظه «لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله، ولجعلت بابها بالأرض» الحديث، فهذا التعليل هو المعتمد.
قلت: لكن قد يقال: حيث تركه النبي صلّى الله عليه وسلّم لهذه العلة ثم تركه أبو بكر ثم عمر بعد الهم به ورجوعه عن ذلك ثم من بعده فهو إجماع على تركه؛ فلا نتعرض له؛ لما يترتب عليه من الشناعة والله أعلم.