للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصنع الأسود الطعام، ودفن كل منهم سيفه تحته في الرمل مجردا، فلما جلس الملك وقومه للأكل وثبت عليهم جديس حتى أبادوهم، ثم قتلوا باقيهم، فهرب رجل من طسم حتى لحق بتبّع تبان أسعد بن كلكيكرب، وقيل: بحسان بن تبّع الحميري وكان بالمدينة، فاستغاثه، وذكر أبياتا فيها غدر جديس بهم، فوعده بنصره، ثم رأى منه تباطؤا فقال:

إني طلبت لأوتاري ومظلمتي ... بال حسّان آل العز والكرم

المنعمين إذا ما نعمة ذكرت ... والواصلين بلا قربى ولا رحم

[قصة زرقاء اليمامة]

في أبيات أخرى، فسار تبع من المدينة في جيوشه، حتى إذا كان عند جبل على ليلة من اليمامة قال له الطسمي: توقف أيها الملك فإن لي أختا متزوجة في جديس يقال لها يمامة أبصر خلق الله على بعد، وإني أخاف أن ترانا فتنذرهم بنا، فأقام تبع، وأمر رجلا فصعد الجبل ليرى ما هناك، فدخل في رجله شوكة بالجبل، فأكب يستخرجها، فأبصرته اليمامة، وكانت زرقاء العين، فقالت لهم: إني أرى على الجبل الفلاني رجلا وما أظنه إلا عينا، فقالوا: ما يصنع؟ فقالت: إما يخصف «١» نعلا أو ينهش كتفا، فكذبوها، ثم قال الطسمي لتبع: إن بصرها بالليل أنفذ فمر أصحابك ليقطعوا من الشجر أغصانا ليستتروا بها فيشبهوا «٢» عليها الأمر، ففعلوا، حتى إذا دنوا من اليمامة ليلا؛ فنظرت اليمامة فقالت: يا جديس سارت إليكم الشجر، أو جاءتكم أوائل خيل حمير، فكذبوها، فصبّحتهم حمير، فهرب الأسود في نفر من قومه لجبلي طيىء وفتح أهل المدينة حصون اليمامة، وامتنع عليهم حصن زرقاء اليمامة؛ فصابره تبع حتى افتتحه، وقبض عليها، وسألها: كيف أبصرتهم؟ فأخبرته بخبر الذي صعد الجبل، فسأله تبع، فقال: صعدت فانقطع شراك نعلي وأصابتني شوكة؛ فعالجت إصلاحها وإصلاح قبالي بفمي، فقال لها: أنّى لك هذا؟ قالت:

كنت آخذ حجرا أسود فأدقه وأكتحل به: فكان يقوي بصري، فيقال: إنها أول من اكتحل بالإثمد، فأمر تبع بقلع عينيها ليرى ما فيهما، فوجد عروقها كلها محشوة بالإثمد، وخربت اليمامة يومئذ؛ لأن تبعا قتل أهلها، ولم يخلف بها أحدا، ورجع إلى المدينة.

هذا ما ذكره المجد عن ياقوت باختصار، وليس فيه عكس القضية؛ فيجوز أن يقع بكل من اليمامة والمدينة مثل هذا، والظاهر أن قصة اليمامة كانت بعد قصة المدينة.


(١) يخصف نعلا: يصلح نعلا.
(٢) اشتبه عليها الأمر: اختلط عليها الأمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>