لا أحد أذلّ من جديس ... أهكذا يفعل بالعروس
في أبيات، فأغضب ذلك أخاها، ووقفها على نادي قومه، وهي تقول:
أيجمل أن يؤتى إلى فتياتكم ... وأنتم رجال فيكم عدد الرمل
أيجمل تمشي في الدما فتياتكم ... صبيحة زفّت في العشاء إلى بعل
فإن أنتم لم تغضبوا بعد هذه ... فكونوا نساء لا تغب من الكحل
ودونكم ثوب العروس فإنما ... خلقتم لأثواب العروس وللغسل
فلو أننا كنا رجالا وكنتم ... نساء لكنا لا نقر على الذل
فموتوا كراما أو أميتوا عدوكم ... وكونوا كنار شب بالحطب الجزل
وإلا فخلوا بطنه وتحمّلوا ... إلى بلد قفر وهزل من الهزل
فللموت خير من مقام على أذى ... وللفقر خير من مقام على ثكل
فدبّوا إليه بالصّوارم والقنا ... وكل حسام محدث العهد بالصّقل
ولا تجزعوا للحرب قومي فإنما ... يقوم رجال للرجال على رجل
فيهلك فيها كل وغل مواكل ... ويسلم فيها ذو الجلادة والفضل
فامتلأت جديس غيظا، ونكسوا رؤوسهم حياء، وتشاوروا في الأمر، فقال الأسود:
أطيعوني فإنه عز الدهر، وقد رأيت أن أصنع للملك طعاما ثم أدعوه وقومه، فإذا جاؤونا قتلت الملك، وقام كل منكم إلى رئيس منهم فقتله، فلا يبقى للباقين قوة، فنهتهم أخت الأسود عن الغدر، وقالت: ناجزوهم فلعل الله أن ينصركم عليهم لظلمهم؛ فعصوها فقالت:
لا تغدرنّ فإنّ الغدر منقصة ... وكل عيب يرى عيبا وإن صغرا
إني أخاف عليكم مثل تلك غدا ... وفي الأمور تدابير لمن نظرا
حشّوا سعيرا لهم فيها مناجزة ... فكلكم باسل أرجو له الظفرا
فأجابها أخوها:
شتان باغ علينا غير متئد ... يغشى الظلامة لا يبقى ولن يذرا
إنا لعمرك لا نبدي مناجزة ... نخاف منها صروف الدهر من ظفرا
إني زعيم بطسم حين تحضرنا ... عند الطعام بضرب يهتك الفقرا